جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    مبارة كرة قدم تفجر أزمة بين هولندا وإسرائيل    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    حديقة ثلجية    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الغرب والقرن الأفريقي    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    رحلة طموح    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عضو مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية السابق يروي قصة صدام حسين على خط الزلازل ... القصر أو القبر صلاح عمر العلي : ذهبت إلى البرازيل وأقنعت المؤسس بالعودة فحجموا دوره عفلق يعترف في الغابة الفرنسية: صدام شره للمديح وأنا ظروفي صعبة الحلقة الأخيرة
نشر في الحياة يوم 12 - 03 - 2003

ولد صلاح عمر العلي في تكريت في 1937 وأنهى دراسته الثانوية فيها قبل انتقاله الى الجامعة المستنصرية في بغداد لدراسة القانون والسياسة. في تكريت كانت الحركة السياسية ناشطة وكانت الغلبة للحزب الشيوعي في اجتذاب الشبان. لكن صلاح عمر العلي اجتذبته أفكار البعث فانتسب الى الحزب في 1957.
يذكر ان المسؤول الحزبي دعاهم في تموز يوليو 1958 الى اجتماع طارئ وأبلغهم بما سماه "انذار درجة ج" لجميع الحزبيين. سألوه عن السبب فقال انها اجراءات استعداداً لاحتمال وقوع أحداث في البلاد. وبعد يومين فقط حصلت ثورة 14 تموز يوليو التي نقلت العراق الى العهد الجمهوري.
يعترف أن أخطاء فظيعة وقعت لدى وصول الحزب الى السلطة للمرة الأولى في 8 شباط فبراير 1963. ويقر بأن "الحرس القومي" ذهب بعيداً في ممارسة العنف ضد الشيوعيين وكأن مطاردة الشيوعيين تحولت هدفاً في حد ذاتها. ويشير الى لجنتين للتحقيق تسببتا في اعدام كثيرين خصوصاً اللجنة التي كانت تضم هاني الفكيكي ومحسن الشيخ راضي.
سألته ان كان نادماً على رحلته في البعث فقال: "لا، وانني فخور بتلك الأيام وبما كان لدينا من أحلام وآمال. نادم فقط لأنني وثقت أحياناً بمن لا يستحق الثقة".
بعد إخراجه من القيادة في 1970 عمل العلي سفيراً لبلاده في السويد ثم في اسبانيا وبعدها في الأمم المتحدة الى أن قدم استقالته العام 1982 وانتقل الى صفوف المعارضة المقيمة في الخارج.
وهنا نص الحلقة الأخيرة:
بعد توليكم السلطة في 1968 كلفتك القيادة القطرية الذهاب الى البرازيل لاقناع ميشال عفلق بالعودة الى بغداد لماذا ومن كان وراء الفكرة؟
- هذه المسألة طويلة ومعقدة ولا بد لفهمها من العودة الى الخلاف الذي كان قائماً بين البعث في سورية والبعث في العراق. كان السوريون يقدمون أنفسهم على أنهم أهل اليسار ويتهمون التنظيم العراقي بسلوك نهج يميني. اثبتت التجربة ان هذه الشعارات لم تكن صحيحة أو دقيقة. لا يتسع المجال هنا للخوض في كل التفاصيل التي أدت الى نشوء هذا الوضع. عندما تسلمنا السلطة في 1968 اثير الموضوع في أحد الاجتماعات. كانت هناك قطيعة بين القيادة القومية والحزب في سورية. في العراق كنا ننظر الى القيادة القومية بوصفها الشرعية الحزبية واعتبرنا ان من الخطورة بمكان ان ينتفض الحزب في هذا القطر أو ذاك ضدها، خصوصاً في صورة انقلاب عسكري عليها. لو سلّمنا بهذا المنطق لتحول الحزب الى جزر كي لا نقول الى ما هو أكثر من ذلك. لا يمكن التذرع بمعارضة توجه للقيادة القومية لتبرير ترتيب انقلاب عليها.
استعادة عفلق
في الاجتماع كان الرأي متفقاً ان القيادة القومية يجب أن تعود الى العراق وتحديداً في شخص ميشال عفلق. كلفتني القيادة القطرية ان أذهب الى البرازيل لاقناعه. وإذا صدقت الذاكرة اعتقد بأن الرئيس أحمد حسن البكر كان وراء الاقتراح ربما لاعتقاده بأن عودة عفلق ترسخ شرعية البعث الذي تسلّم السلطة في بغداد.
ماذا حدث في البرازيل؟
- أروي هنا بأمانة كاملة. استقبلني عفلق استقبالاً حسناً وكان ترحيبه شديداً. تحدثنا وقدمت له صورة عن الوضع في العراق وعن الأوضاع في القيادة القطرية. الواقع انني فوجئت بالظروف التي كان الرجل يعيشها. كان يقيم مع زوجته وأطفاله الأربعة في غرفة واحدة لدى خاله، وهو طبيب متقاعد متقدم في السن. ولم تكن ثمة حاجة الى شروحات. فقد بدا الرجل يعيش في ظروف مزرية جداً. شعرت بألم لأن هذا الرجل الكبير الأحلام اختار الابتعاد وفي ظروف قاسية. قبل مجيئنا الى السلطة كانت العلاقات مقطوعة. فهو مقيم في البرازيل ونحن قيادة تمارس العمل السري. قلت لعفلق ان الرفاق في القيادة القطرية يصرون على أن تعود الى بغداد.
عفلق: هذا الحزب ليس حزبي
ماذا كان رده؟
- كان الرجل في حالة نفسية شديدة الصعوبة. وبدا في الأيام الأولى انه أقفل الباب نهائياً أمام احتمالات العودة. كان النقاش صعباً وطويلاً. قال عفلق وبمزيج من الأسف والألم انه لا يرى ما يربطه بتنظيمات الحزب في سورية والعراق. قال: "هذا ليس الحزب الذي عملنا من أجله ووضعنا الأسس الأولى له. تغير الحزب كثيراً وتبدلت مسيرته وابتعدت عن المبادئ والقواعد والضوابط. لم أعد أشعر أن صلة ما تربط بيني وبين هذا الحزب. أنا شخص لم تبق لي علاقة به.
أتمنى لكم كل توفيق ونجاح. أتمنى أن تؤدوا دوركم الوطني والقومي بشكل صحيح وأن تكونوا في خدمة شعبكم وأمتكم. أنا لم أعد في حاجة الى تجارب جديدة. ما عشته يكفي ولا مبرر لتكراره. عشت كل هذه المشاكل والمآسي وأنا الآن اخترت العيش في البرازيل. اشكرك لأنك جئت. وأشكر الرفاق في بغداد. رجائي ان تتفهموا موقفي وعدم قدرتي على العودة. ارجوك ان تنقل سلامي الى الاخوان".
قال عفلق ذلك بلهجة قاطعة تظهر عمق المرارة التي يشعر بها. وخالجني شعور أن خيبته من ممارسة الحزب دفعته الى الطلاق الكامل مع الآمال التي علقها عليه سابقاً. كان واضحاً انه يعتبر ان الحزب في سورية خرج عن المسار القومي للتنظيم وأن شيئاً شبيهاً حصل في العراق نفسه خصوصاً حين كان الحزب بقيادة علي صالح السعدي. كان من الصعب علي، وعلى اعضاء القيادة في بغداد، تقبل هذا الموقف. مكثت في البرازيل ثلاثة أسابيع نجحت في نهايتها بإقناعه بالموافقة على العودة.
هل قال شيئاً محدداً عن البكر؟
- لم يخض تفصيلاً في الأشخاص لكن كان واضحاً انه يكن احتراماً كبيراً للبكر.
وعن صدام؟
- كان عفلق يعرف صدام لكن لم يتوقف عند اسمه اذ لم يكن صدام بدأ يومها صعوده الفعلي.
شروط العودة
ماذا اشترط للعودة؟
- الحقيقة انه لم يضع شروطاً بمعنى الشروط ولم يظهر لي انه كان أعد خطة للتفاوض. كان قراره الاستمرار في الابتعاد. لم اقبل. قلت له انت ميشال عفلق. لست عضواً منتسباً الى الحزب. أنت المؤسس. مهما كان حجم التشويهات التي لحقت بالحزب عليك التصدي لها. لست عضواً عادياً لتعلن يأسك وتطوي الصفحة. قدرك ان تستمر في هذا الحزب وان لا تنسحب منه اطلاقاً. لا يمكنك الاستقالة والابتعاد. يجب ألا تنسى الحقائق وهي ان بعثيين استشهدوا من أجل مبادئ الحزب الذي أسسته. وأن مئات البعثيين اعتقلوا ونكل بهم واحيلوا على المحاكم وكانوا يهتفون تحت التعذيب بحياة الحزب. هل يصح ان يتعرض هؤلاء لما تعرضوا له بسبب وفائهم لعقيدة الحزب، عقيدة ميشال عفلق، وتجلس أنت في البرازيل غير مبال بما يحدث وترفض العودة الى موقعك في الطليعة؟ اعطى هذا الاسلوب ثماره. وافق على العودة لكن على مراحل، بمعنى ان يمر على باريس وبعدها بيروت للقاء الرفاق الموجودين هناك وسماع آرائهم ثم يتوجه الى بغداد.
كيف استقبل في العاصمة العراقية؟
- كان الاستقبال حافلاً وكان الجميع في انتظاره يتقدمهم البكر.
شخصية عفلق
ماذا تقول عن شخصية عفلق؟
- يصعب اختصارها بكلمات قليلة. رجل هادئ جداً ومستمع جيد جداً. مقل في الكلام لكنه شديد التركيز حين يطرح أفكاره. متواضع ويعشق البساطة. جوهر سلوكه لم يتبدل على رغم محاولات صدام استدراجه الى عالم المظاهر والحياة المترفة. دوره أعطاه هالة ومهابة.
صدام وعفلق
يقال ان مكتبه كان كبيراً وصلاحياته قليلة؟
- هذا بالضبط ما حدث. اهتموا براحته كشخص. وفروا له شروط عيش كريم ولائق بعدما عانى في البرازيل ضنك العيش. كانت ظروف اقامته هناك رديئة جداً. في العراق اعطوه مكتباً محترماً وسكناً لائقاً. اعتنوا بحياته العادية والشخصية لكن لم يعطوه دوراً باستثناء بعض مظاهر التكريم.
هل كان صدام يحبه؟
- لا صدام كان يحبه ولا البكر. كانا يخافان منه ولديهما حذر عميق تجاهه. كانت لديهما شكوك يقتضي شرحها الخوض في تفاصيل كثيرة.
برز نجم صدام في السبعينات وبدأت صورته تظهر على الساحة العربية. استقطب مشاعر فئات من المواطنين اعجبوا به وراهنوا عليه. صارت له صورة القائد. حتى ان الحزب الشيوعي العراقي، هذا الحزب القديم والعتيد، انخدع، وسماه "كاسترو العراق". وتحدثت وسائل اعلامهم عنه بايجابية. الأكراد ايضاً اعجبوا به وراهنوا على حل معه وتعاملوا معه بايجابية عالية.
وبعد تأميم النفط في 1972 صارت بتصرف صدام ثروة هائلة يمكنه توظيفها في خدمة طموحه. هكذا صارت الرشوة ورقة موازية يستخدمها صدام الى جانب ورقة الترهيب. قام بعملية شراء واسعة. رشوات لسياسيين واعلاميين ولمثقفين عرب. هذا السلوك مكّن صدام من تقديم نفسه في صورة مثالية وبوصفه القائد المنتظر للأمة العربية. في مناخ الترويج الإعلامي الهائل هذا كان من الصعب اكتشاف السلبيات. كانت الدول منهمكة في الحصول على عقود، وبعض المؤسسات في المساعدات، وأفراد كثر بالرشاوى. كان العراق في خضم نشاط كبير. استورد ما يقرب من خمسة ملايين عامل.
أوردت كل ذلك لأقول ان ميشال عفلق خدع هو الآخر والى حد انه اعتبر صدام "هدية السماء الى البعث وهدية البعث الى الأمة العربية". هكذا وصفه عفلق في احدى الخطب. استطيع ان أقول، وبحكم علاقاتي الحزبية، ان عفلق قبل وفاته بفترة قصيرة كان يبدي أسفه الشديد لوقوعه في خطأ الاعجاب بصدام. أنا على اطلاع مباشر في هذا الأمر. لكن الرجل كان تقدم في السن ولا توجد لديه خيارات أخرى. لم يكن لديه غير تقبل الحالة كما هي.
هل تقصد أن صدام لم يكن يثق بعفلق؟
- لم يكن يثق به أبداً.
ما هو الدليل؟
- أعرف هذه المسألة معرفة دقيقة جداً.
من صدام؟
- نعم.
لماذا؟
- ليس لأن الشخص ميشال عفلق. صدام لا يريد شريكاً مهما كان اسمه. لدى صدام نزعة فردية قاتلة وليس لها مثيل. أنا اعتقد بأن هتلر كان يستشير القيادة اما صدام فلا يفعل.
حتى ستالين كان لبعض أعضاء القيادة لديه أدوار. صدام لا يسمح لأي انسان بأي دور. طبعاً كان صدام يتظاهر بالحب والود والاحترام تجاه ميشال عفلق. لم يكن يزعجه ان يستخدم عفلق كلافتة في ما يتعلق بالشرعية الحزبية أو لإغاظة آخرين. أقول وأعرف ما أقول، لم يكن صدام يأتمن عفلق ولم تكن لديه مشاعر ود تجاهه.
عفلق: صدام شرهٌ للمديح
متى التقيت عفلق للمرة الأخيرة؟
- في 1983 في باريس أي بعد استقالتي والقطيعة مع النظام. عرفت انه في العاصمة الفرنسية فذهبت اليه وكان لديه زوار. لدى مغادرتي قلت له أريد أن أراك فطلب رقم الهاتف والعنوان حيث أقيم. بعدها اتصل وجاء مع زوجته ورفيق من لبنان. أخذوني في سيارة الى خارج باريس وجلسنا في مقهى بقرب غابة.
أدرك عفلق انني أريد التحدث اليه على انفراد فمشينا في الغابة. كنت مكلفاً من عدد من الرفاق أن أتمنى عليه عدم العودة الى بغداد وعدم الانزلاق أكثر في مديح صدام. قلت له أنت مؤسس الحزب ومع ذلك تمتدح صدام في خطبك على رغم تحوله رمزاً للمشاكل التي يعانيها العراق ولعذابات البعثيين أنفسهم. ذكرته بالاعدامات وتحديداً بعبدالخالق السامرائي، وهو كان يحبه ويقدره. وقلت له ان امتداحه صدام يجرح مشاعر البعثيين وأن هذا الموقف لم يعد مقبولاً. رجوته أن يشرح موقفه.
ماذا قال؟
- فوجئت انه لم يمتدح صدام ولم يدافع عنه. قال: "انني الآن، يا صلاح، وبعد كل الذي جرى أجد نفسي أمام وضع يصعب علي الخروج منه. كبرت في السن ولن أعيش أكثر من سنتين أو ثلاث. لدي عائلة وأنا محكوم بالاعدام في سورية وغير قادر على خيارات جديدة. صدام شره للمديح وأنا مضطر أن أتجنب مشاكله". قلت له: "نحن لا نطلب منك أن تعادي صدام. نطلب فقط أن تبقى في باريس احتراماً للحزب ولرفاقك الأحياء والأموات وإذا كانت المشاكل إعالة عائلتك فأنا والرفاق الذين كلفوني التحدث اليك نتكفل ذلك".
كان الحوار طويلاً واستمع باهتمام ولم يبد اعتراضاً أو امتعاضاً. في النهاية قال: "أنا محكوم بظروف معينة وإذا تمكنت من الخروج منها أعدك وعداً كاملاً بتنفيذ ما طلبت".
عاد عفلق الى بغداد ولا أعرف هل هي وطأة السن دفعته الى الاستسلام أم خوفه من الاغتيال في الخارج.
الإعدامات وإيران
ماذا قال عن موضوع الاعدامات؟
- علق عليه وتوقف عند اعدام عبدالخالق السامرائي، قائلاً ان هذا الانسان على درجة من الصفاء والاخلاص والتواضع تجعل مقتله بمثابة محنة كبيرة جداً. وأذكر جيداً قوله ان محنة عبدالخالق السامرائي لم تحصل الا مع الحسين.
وعن الحرب العراقية - الايرانية التي كانت في أوجها؟
- أشار الى أن صدام ورط الحزب والعراقيين في تلك الحرب. اذكر جيداً قوله ان صدام قام بعمل خاطئ بمحاربته ايران وخلق مشاكل للعراقيين والعرب.
هل كان يتحدث بصراحة عندما كنت تلتقيه في بغداد؟
- كان يعرف ان أي حديث في المكتب أو البيت لا بد وأن يصل الى الأجهزة. كان يشعر أن مقره مزروع بالميكروفونات ولم يكن في وارد الدخول في مشاكل ومواجهات.
في السجن ثلاث مرات
كم مرة دخلت السجن؟
- ثلاث مرات. الأولى في العهد الملكي وكان التعذيب بسيطاً. كان ذلك في 1957 ولبضعة شهور. الثانية في 1964 تعرضت فيها لتعذيب قاس للغاية. عذبت على أيدي اثنين من مديري الشرطة هما فوزي الجميري وعبدالله شعبان. ضُربت بقضيب حديد على رأسي ولا يزال الجرح واضحاً. وضُربت على يدي وكسر اصبعي. وعلقت من يدي في سقف الغرفة في سجن تابع لمعسكر التاجي للجيش في شمال بغداد. دام الاعتقال نحو تسعة أشهر. الثالثة كانت في 1965 ودام الاعتقال سبعة شهور لكن لم أتعرض لتعذيب.
التجربة الأقسى كانت في 1964. الطريف انه بعد تسلمنا السلطة في 1968 تذكر الرئيس البكر الذي كان معتقلاً معي في 1964 كيف كان يراني أنزف دماً احياناً خلال نقلي في السجن. ذات يوم حملوني على نقالة لأنني لم استطع المشي. اتصل بي الرئيس البكر وذكرني بتلك المشاهد وقال لي نريد أن تدلي بشهادتك على مديري الشرطة اللذين أشرفا على تعذيبك لنعاقبهما. وفي الحقيقة شعرت أن تربيتي وخلفيتي السياسية وقناعاتي تمنعني كمسؤول في تلك الفترة من فتح ملف شخصي فرفضت. خلال رحلة السجون التقيت البكر والتقيت صدام أيضاً.
هل تعرض صدام للتعذيب في السجن؟
- أنا لم أره تحت التعذيب. شاهدته في دائرة الأمن العام.
لم تزر بغداد من 1982؟
- نعم، والزيارة ليست واردة ما دام صدام موجوداً. هناك حكم بالإعدام صدر بحقي والذنب أنني استقلت. يعتبرون الاستقالة العادية مؤامرة. لدي أربعة أولاد لم يشاهدوا البلاد. حتى عندما كنت سفيراً لم أكن اجرؤ على أخذ عائلتي كاملة الى العراق لأنني لم أكن مطمئناً.
العراق في ظل الحرب المحتملة
هل تخشى حصول انقسام مذهبي في الجيش في حال اندلاع الحرب؟
- للأسف كل الاحتمالات واردة. في حال حدوث الحرب يمكن أن يبادر الجيش الى اسقاط النظام خصوصاً إذا أدت حملة القصف الجوي الى ضغوط شديدة. اذا لم تستطع المؤسسة العسكرية المبادرة ربما يحصل انقسام في الجيش وفي المجتمع، مما يفتح الباب لحصول حرب أهلية. يخشى فعلاً من حصول انتقامات واسعة. ممارسات النظام خلقت حالات احتقان واسعة لدى مئات الآلاف من العراقيين. من نكّل بهم ربما يتحينون الفرصة للثأر. تعرف ان الطابع العشائري لا يزال مسيطراً في صورة عامة تقريباً. ما لم تحدث سيطرة تامة وحقيقية فور سقوط النظام فإن الانتقامات واردة. وهناك خطر في أن تسيل دماء كثيرة. أنا لا استبعد حصول أي شيء في العراق. الحرب الأهلية واردة وليس بالضرورة لأسباب مذهبية. يمكن أن يحدث اقتتال داخل الشيعة وداخل السنة.
هل تتخوف من تدخلات ايرانية وتركية؟
- اذا سادت الفوضى واندلعت مواجهات سيكون من الصعب منع ذلك من الانتشار الى خارج حدود العراق. ايران قد تتدخل لدعم مؤيديها وكذلك تركيا وربما دول أخرى. الدول المحيطة بالعراق لن تقف مكتوفة الأيدي. انني أخشى من انفجار على مستوى المنطقة.
هل تتوقع العودة الى بغداد بعد الحرب؟
- اذا كانت الأوضاع تسمح سأفكر في الأمر بالتأكيد.
الأميركيون يتحدثون عن إدارة عسكرية؟
- لا أريد الاجابة على هذه النقطة بالذات لأنني أساساً ضد المشروع الأميركي بالكامل وضد الحرب. أنا مع الحل الوطني العراقي والحل السياسي للقضية العراقية.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
- بإرغام صدام على تطبيق القرار 688 لمجلس الأمن الذي يضمن انهاء النظام الديكتاتوري والانتقال السلمي للسلطة.
وكيف يقبل صدام؟
- انه يجبر حالياً على أمور كثيرة. لو اتفقت الولايات المتحدة مع فرنسا والمانيا ودول أخرى على برنامج لمساعدة الشعب العراقي على الحل السياسي لامكن ممارسة ضغوط على صدام.
الموقف من المعارضة
هل لديك مشاعر خيبة من المعارضين العراقيين المؤيدين للحل الأميركي؟
- انتقدتهم في مناسبات عدة وما زلت. أشعر بالأسف لأن مواطنين عراقيين ارتضوا وضع أنفسهم تحت تصرف دولة أجنبية بذريعة أنهم معارضون للنظام. فهل يجوز لمن تكون ارادته مرتهنة لآخرين أن يقول انه يسعى الى تحرير وطنه؟ المسألة مطروحة بطريقة معكوسة. هذا الفريق ينفذ حالياً سياسة دولة أخرى وبرنامجها. كان المفروض ان يتفقوا على برنامج مستقبلي مع أطراف المعارضة كافة ثم يسعون للحصول على دعم العالم وفي ضوء مصلحة العراق. ان الوضع الحاضر ينذر بمزيد من التعقيدات للقضية العراقية.
هناك انطباع بأن حصة الشيعة ستكون أكبر بعد اطاحة النظام الحالي؟
- ما يهمني أولاً هو أن تكون هناك ديموقراطية وأن يترك القرار لصندوق الاقتراع وبغض النظر عن انتماء الفائز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.