تصاعدت حدة السجال بين روسيا والولايات المتحدة حول مشروع نشر الدرع الصاروخية في أوروبا، وانتقل الروس من لغة التلويح إلى التهديد باتخاذ تدابير عسكرية، قال"صقور"وزارة الدفاع الروسية إن من بينها احتمال توجيه ضربات جوية إلى مواقع في أوروبا. وبعد يومين فقط على فشل الرئيسين الروسي ديمتري ميدفيديف والأميركي جورج بوش في تقريب وجهات النظر بين الجانبين حيال ملف الدرع الصاروخية، بدأ تبادل التصريحات النارية بين موسكووواشنطن، واعتبرت موسكو أن" زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى تشيخيا الثلثاء، وتوقيع اتفاقية الدرع الصاروخية مع هذا البلد، شكلت"رداً مباشراً وعملياً على التحفظ الروسي الذي كرره ميدفيديف خلال لقائه بوش"، بحسب تعبير ديبلوماسي روسي تحدثت معه"الحياة"، وأضاف أن موسكو، مع بدء الإجراءات العملية لنشر الدرع الأميركية وإصرار الأميركيين على رفض الاستماع الى المخاوف الروسية،"لم يعد أمامها خيار إلا المضي في مواجهة المشروع الأميركي". ومع إعلان موسكو عن خيبة أملها بسبب التطور، أكد ميدفيديف أمس أن بلاده"ستجد الرد المناسب"على الخطة الأميركية، واعتبر أن توقيع الاتفاقية مع تشيخيا أدخل ملف الدرع"مرحلة جديدة سنواصل النقاش حولها مع كل الأطراف، وخصوصاً شركاءنا في البلدان الصناعية الكبرى وحلف الأطلسي". واتهم الأميركيين بأنهم"خاضوا الحوار في شكل عقيم مع روسيا ولم يستجيبوا لاقتراحاتها لتقريب المواقف". واستخدمت الخارجية الروسية لهجة غير مسبوقة على المستوى الديبلوماسي في تعليقها على توقيع الاتفاقية لنشر رادار أميركي متطور في تشيخيا، إذ حمل بيان موسكو اعترافا بأن لغة الحوار السياسي وصلت إلى طريق مسدود، وأن موسكو"ستكون مضطرة للرد على التهديدات الأميركية للأمن الاستراتيجي، ليس ديبلوماسياً، بل عبر أسلوب تقني - عسكري". وزاد بيان الخارجية الروسية أنه"لا شك في أن الدرع الأميركية موجهة لإضعاف قدرات الردع الروسية"في إشارة إلى أن تذرع واشنطن ب"خطر الصواريخ الإيرانية على أوروبا"ليس مقنعاً". وحملت موسكو الأميركيين مسؤولية المواجهة التي ستنطلق، باعتبار أن"هذا ليس خيارنا" وأن"التدابير المكافئة"التي ستتخذها روسيا رداً على المشروع الأمريكي هي إجراء لا بد منه. موقف واشنطن وردت وزارة الدفاع الأميركية بسرعة على البيان الروسي، متهمة موسكو بمحاولة"تخويف أوروبا". وقال مساعد وزير الدفاع الأميركي جيف موريل، إن موسكو"تسعى إلى إثارة قلق الأوروبيين، في حين أن المنظومة الأميركية تهدف إلى حماية أمن القارة". وقالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في مؤتمر صحافي:"يؤسفني ان أقول إن ذلك كان متوقعاً رغم انه مخيب للآمال"نظراً الى الجهود التي بذلتها مع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس لتهدئة المخاوف الروسية في شأن الدرع الصاروخية. نوعان من الرد وبدأت الأوساط العسكرية وأوساط الخبراء الروس في شؤون الأمن الإستراتيجي طرح سيناريوات عدة في شأن"التدابير المكافئة"التي أعلنت عنها موسكو. وأشار خبراء الى نوعين من الرد لتقليل فعالية الدرع الأميركية وتقليص جدواها إلى أدنى الدرجات. وعلى الصعيد العسكري، يشير الخبراء إلى أن الخطة الروسية للرد، تشتمل على خمسة عناصر أساسية هي: توسيع عمليات صناعة صواريخ متطورة قادرة على خرق التقنيات الأميركية، من طرازات"اسكندر"و"أونيكس"، ونصب قواعدها في مناطق قريبة من الحدود الغربية لروسيا، ونشر الصواريخ الاستراتيجية القادرة على حمل رؤوس نووية من طراز"توبول"، التي تعرف بأنها أحدث الأنظمة الصاروخية الروسية، وهي أدخلت إلى الخدمة الميدانية أخيراً. وأيضاً، إعلان انسحاب روسيا من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة، مما يعني تلقائياً، القدرة على إنتاج أجيال جديدة من هذه الصواريخ التي تم إعدام الترسانة السوفياتية منها، على أن تنشر في مناطق كاليننغراد المحاذية لحوض البلطيق ومناطق حيوية أخرى. ومن ضمن عناصر الرد المحتملة نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا وكاليننغراد، وإنشاء قواعد عسكرية لمواجهة قدرات الدرع في بيلاروسيا وربما في أبخازيا الساعية للانفصال عن جورجيا. وبحسب أندريه كوكوشين، وهو من كبار الخبراء العسكريين وسبق أن شغل منصب نائب وزير الدفاع، فإن الرد الروسي جوهره"عدم السماح بزعزعة التوازن العسكري في أوروبا بعد نشر الدرع"الأميركية. وأوضح أن الجزء الأهم من الرد يكمن في تقنيات فعالة للتشويش الإلكتروني تملكها روسيا، وقادرة على إبطال مفعول أي منظومة مضادة للصواريخ. تسليح طهران على الصعيد السياسي، يرجح خبراء أن تزيد موسكو ضغوطها على حلفاء واشنطن في الفضاء السوفياتي السابق، وخصوصاً جورجيا، فيما وصل الوضع مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية إلى مرحلة مرشحة للانفجار . كما تنوي موسكو، بحسب رجب صافاروف وهو أبرز الخبراء في شأن العلاقات الروسية - الإيرانية، تعزيز تعاونها مع طهران في مجالات عدة. وذكر صافاروف ل"الحياة"أن روسيا في حال تصاعدت المواجهة بين الإيرانيين والغرب،"لن تكرر خطأ العراق، وستمدّ الإيرانيين بمساعدات تقنية كبيرة خصوصاً على الصعيد العسكري". وقال أمس نائب قائد سلاح الجو السابق بيتر دينيكين إن"الأميركين لا يفهمون إلا لغة القوة، وسيكون على روسيا أن تستخدم طيرانها الاستراتيجي وترسانتها الصاروخية للدفاع عن أمنها، عبر توجيه ضربات مباشرة ضد منشآت الدرع المزمع نشرها في أوروبا".