انتهيت من حديث تعذيب الأسرى والمعتقلين في غوانتانامو وأبو غريب والسجون السرية أمس عند الاعتذاري الإسرائيلي المتطرف الان ديرشوفيتز الذي أيد التعذيب بالماء، وقد قرأت أنه نحت كلمة water boarding بعد ان كانت عبارة هي"التعذيب بالماء"، كما وردت أصلاً في أخبار"نيويورك تايمز". عندما سئل نائب الرئيس ديك تشيني عن التعذيب بالماء قال انه لا يرى غضاضة في ذلك، ولم يتراجع فهو زعيم عصابة الحرب التي قتلت مئات ألوف العراقيين، وهو يريد حرباً على إيران الآن لقتل مزيد من المسلمين. غير ان عصابة الحرب ولوبي إسرائيل والمحافظين الجدد واجهوا أميركيين إنسانيين لا يقبلون التعذيب. المحكمة العليا، وهي كما يدل اسمها، أعلى هيئة قضائية أميركية انتصرت لحق السجناء في المثول أمام محكمة بدل اعتقالهم الى ما لا نهاية. محامو الجيش من المكلفين بالدفاع عن المتهمين قاوموا التعذيب، والكولونيل جون لي كتب في 2002 ان وسائل التعذيب مشكوك فيها قانونياً، ومرفوضة أخلاقياً، وقد تتسبب في كابوس علاقات عامة. رجال مكتب التحقيق الفيديرالي اف بي آي رفضوا المشاركة في تعذيب المعتقلين. القاضي العسكري الكولونيل بيتر براونباك شكا من التعذيب واستبدل غيره به. الصليب الأحمر الدولي دان التعذيب في السجون التي يشرف عليها الأميركيون. منظمة مراقبة حقوق الإنسان طالبت مجلس الأمن الدولي بالبحث في أساليب الاعتقال الأميركية. الحليفة بريطانيا احتجت على وسائل التحقيق في غوانتانامو، إلا أنها قصرت احتجاجها على معتقلين اثنين يحملان الجنسية البريطانية. في غضون ذلك حاولت إدارة بوش استخدام كل كلمة ممكنة في قاموس الإنكليزية لوصف أساليب التحقيق باستثناء كلمة تعذيب. وسمعنا بعبارات من نوع"تكتيك تحقيق قاس"أو"استجواب مكثف"والمقصود التعذيب، وهو إيهام المعتقل أنه يغرق في الماء، أو بحرمانه من النوم، أو بإخضاعه لضجيج موسيقى عالية مدة طويلة، أو الربط بالأصفاد وشدها حتى ينحبس الدم عن ذراعيه أو ساقيه. وقال معتقلون كثيرون أُفرج عنهم ان بعض المحققين دنّس نسخاً من القرآن الكريم أمام السجناء المسلمين لإهانتهم والضغط النفسي عليهم. أتوقف هنا لأشير الى صفحات في كتاب الأمير خالد بن سلطان"مقاتل من الصحراء"تتحدث عن رفضه تسليم الأسرى العراقيين الى القوات الأميركية بعد تحرير الكويت عام 1991 لأنه لاحظ ان الأميركيين يسيئون معاملة الأسرى. والكتاب صدر قبل عشر سنوات من احتلال العراق وكلام قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات لا علاقة له البتة بالضجة التالية، وانما يثبت صدق حدس الأمير عن سوء معاملة الأسرى. التعذيب أفرز متهماً من نوع أبو زبيدة الذي"اعترف"بإرهاب جرى وآخر قيد التنفيذ، ثم اكتشف المحققون انه يهذي وينقل عن فيلم"غودزيلا"الذي شاهد بعض مشاهد التخريب فيه. والغريب ان خمسة معتقلين في غوانتامو سيحاكمون على أساس معلومات أبو زبيدة هذا. غير أن ادارة بوش تظل تواجه صعوبات مع المحاكم المدنية والعسكرية بسبب التعذيب وقد أفرجت السلطات الأميركية عن أسترالي عاد الى بلاده بعد صفقة مع المحققين، ولم تقدم المتهم الآخر محمد القحطاني الى المحاكمة وانما أسقطت التهم عنه خشية أن يثار موضوع تعذيبه في المحكمة. وكان عدد المعتقلين في غوانتانامو وصل الى 775 رجلاً بعد غزو أفغانستان وإِسقاط نظام طالبان ثم هبط تدريجاً، وأُفرج عن 420 منهم من دون توجيه أية تهم اليهم، وهناك الآن 270 معتقلاً يقول المحققون العسكريون انهم سيوجهون تهماً بالإرهاب الى 60 وحتى 80 منهم. الرئيس بوش سئل عن التعذيب فرد"نحن لا نمارس التعذيب". وهو لا يستطيع سوى أن ينكر، إلا أن هناك معلومات رسمية ثابتة، عن الذين قدموا غطاء قانونياً لممارسة الإرهاب، والذين شجعوا عليه، والذين مارسوه، ولا بد من أن يأتي يوم يحاكم فيه أركان عصابة الحرب التي تقف وراء التعذيب والقتل. وأغلق دائرة البحث بالعودة في نهاية مقال اليوم الى بداية مقال أمس، فالدول العربية تمارس التعذيب، ولا عذر لها ولا اعتذار. غير أن انتهاك دول من العالم الثالث حقوق الإنسان لا يعطي الولاياتالمتحدة حق انتهاكها، فقد كانت دائماً رائدة في مجال الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان حتى جاءت إدارة بوش لتدمر في عقد واحد سمعة بنتها الإدارات السابقة في قرنين ونيف.