يكاد المريب يقول خذوني، وديك تشيني ليس موضع ريبة وحسب في قاموسي الشخصي، بل مجرم حرب مسؤول عن موت مليون عراقي ولا يبقى سوى ان يحاكم ويحكم عليه. حبل المشنقة بدأ يقترب من عنق نائب الرئيس السابق، وأنا أتحدث مجازاً فهو لن يتدلى من حبل مثل صدام حسين، وإنما قد يدان بالجريمة الأقل، أي تعذيب السجناء، فالمادة المتوافرة تكفي لإدانة سريعة، وتشيني يرد ككل مذنب بمهاجمة الآخرين، أو الرئيس باراك اوباما وإدارته في محاولة يائسة فاشلة مفضوحة لإبعاد التهمة عن نفسه. قرب نهاية الشهر الماضي كاد تشيني ان يتهم باراك أوباما بالخيانة، وهو يقول إن الرئيس يهدد أمن الولاياتالمتحدة بقراره إغلاق معتقل غوانتانامو ووقف تعذيب السجناء، أو التحقيق المعزز أو المكثف بلغة إدارة بوش. وقبل يومين عاد تشيني الى مهاجمة أوباما ووجد اسباباً للقلق في رحلته الأوروبية حيث اعتذر عن تصرفات الإدارة السابقة، وفي رحلته الأميركية اللاتينية حيث صافح الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. ديك تشيني يكذب يائساً، فلا سبب للقلق في تصرفات الرئيس، ثم ان اوباما لم يهدد أمن اميركا لأنه أعلن الانسحاب من العراق مع بقاء قوات أميركية فيه، كما أعلن زيادة القوات الأميركية، وطلب زيادة قوات ناتو الأخرى، في أفغانستان لمواصلة الحرب على القاعدة. بكلام آخر، أوباما يواصل الحرب على الإرهاب، إلا ان تشيني يريد استمرار تعذيب المعتقلين، بل يطلب نشر وثائق عن نتائج التحقيق معهم، وما قدموا من معلومات تفيد في الحرب على الإرهاب، مع ان كل مصدر آخر يقول ان المتهمين لم يقدموا معلومات استخباراتية مهمة، وعددهم في غوانتانامو تراجع من حوالى 800 الى حوالى 400، ثم حوالى 200 اليوم، من دون ان يقدم الى المحاكمة سوى قلة تعد على اصابع اليد، ومن دون أحكام مهمة. ويحدث هذا بعدما تبين من وثائق التعذيب التي نشرتها إدارة اوباما ان خالد شيخ محمد وأبو زبيدة عذبا 266 مرة بإيهامهما أنهما سيموتان غرقاً، وهذا أسلوب أيده تشيني علناً في مقابلة منشورة وهو نائب الرئيس. ولم يستفد المحققون بغير قصص عن إرهاب مقبل رواها أبو زبيدة وتبين في النهاية انه مختل العقل ويروي مشاهد من الفيلم غودزيلا. الرئيس أوباما أفرج عن وثائق التعذيب بموجب قانون حرية المعلومات، وهو قال توقعاً للضجة اللاحقة ان رجال وكالة الاستخبارات المركزية الذين نفذوا التعذيب لن يحاكموا، إلا انه واجه فوراً اعتراضات على موقفه هذا من نواب ديموقراطيين وجماعات حقوق الإنسان وهيئات دولية وأفراد، مثل مانفرد نوفاك، المسؤول عن التعذيب في الأممالمتحدة، الذي ذكّر الجميع بأن الولاياتالمتحدة وقعت الميثاق الدولي ضد التعذيب ويجب ان تتحمل مسؤوليتها، ثم ان هناك تحقيقات ذات علاقة داخل الكونغرس، ولجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ستقدم تقريراً نهائياً في ستة أشهر الى ثمانية، وقد طلبت السناتور ديان فاينستين، رئيسة اللجنة، من الرئيس ألا يستبق نتائج تحقيق لجنتها بوعود قد لا يستطيع حفظها. وآخر المعلومات المتوافرة أن الاستعداد لممارسة التعذيب سبق الفتاوى القانونية بإباحته. إذا كان لي كفلاح من العالم الثالث ان أبدي رأياً ساذجاً في الموضوع، فهو ان ذنب عملاء الاستخبارات اقل كثيراً من ذنب المحامين الذين كتبوا التقارير التي أباحت التعذيب، لذلك أطلب محاكمة جون يو وجاي بايبي وستيفن برادبري فذنبهم اهم من التحقيق الجاري معهم الذي قد ينتهي بمنعهم من ممارسة المحاماة، ثم أزعم ان ذنب المحامين اقل من ذنب الجانب الذي حرضهم على كتابة التقارير، اي إدارة بوش وتحديداً تشيني، وهو الجانب نفسه الذي سعى ايضاً الى معلومات استخبارات مزورة لتبرير الحرب على العراق. وزير العدل الجديد اريك هولدر يقول ان «لا أحد فوق القانون» وننتظر لنرى، وفي غضون ذلك أحكي للقراء قصة. اعتادت الكاتبة مورين داود، وهي المفضلة عندي بين كتّاب الرأي في «نيويورك تايمز» ان تصف ديك تشيني بأنه دارث فيدر، أو شرير أفلام «حرب النجوم»، إلا انها كتبت قبل يومين انها قابلت مبدع تلك الأفلام جورج لوكاس فشرح لها ان فيدر هذا كان شاباً واعداً قبل ان يحوله الامبراطور الى شرير. وبكلام آخر جورج بوش هو دارث فيدر، وديك تشيني هو امبراطور امبراطورية الشر. ومورين داود تقول انها لم تدرك انها لم تقسُ على تشيني كفاية. وهذا كله عن التعذيب وقبل ان نصل الى الحرب على العراق وخسائرها البشرية.