تشهد بيروت يومياً حوادث أمنية متنقلة من تداعيات الأحداث الأمنية الدموية التي عصفت بالعاصمة بين 7 و15 أيار مايو الماضي، تحفظ مستوى الاحتقان المذهبي السني - الشيعي على حاله، بل تزيده تصاعداً، على رغم اتفاق الدوحة بين الفرقاء المتخاصمين وأجواء الاسترخاء الإعلامي النسبي قياساً الى تبادل الحملات القاسية التي سبقت هذه الأحداث ورافقتها وتلتها. وتجمع الأوساط المتابعة للأوضاع الأمنية على الأرض على القول ان الكثير من الحوادث الأمنية اليومية، في ظل استمرار الاحتقان، يبقى من دون معالجات أمنية أو سياسية سواء من الفرقاء المعنيين أم من السلطات المختصة، وأن هذه الأجواء تجعل من الأوضاع أشبه بالجمر تحت الرماد، الذي إذا بقي ساخناً يمكن ان يتسبب، من حيث لا يدري المعنيون، باشتعال الحريق مجدداً، في ظل استمرار انتشار السلاح في أيدي المناصرين. ومع الانشغال السياسي والإعلامي بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، وبالعملية السياسية التي أعقبت انتخاب الرئيس ميشال سليمان، فإن حادث إطلاق النار على أحد ناشطي تيار"المستقبل"الذي وقع بعد ظهر أول من أمس على مستديرة السفارة الكويتية عند مدخل بيروت، وهو عماد الزغلول من منطقة الطريق الجديدة، أعاد تسليط الأضواء على الحوادث اليومية هذه. وكان الزغلول تعرّض لإطلاق نار من مسلحين يستقلون سيارة"ب أم دبليو"رباعية الدفع فأصيب إصابات خطرة استدعت نقله الى مستشفى رفيق الحريري الحكومي حيث خضع لجراحة عاجلة وما زالت حاله حرجة. وتفيد المعلومات الأمنية ان السيارة المشتبه باستخدامها في إطلاق النار على الزغلول معروفة المصدر والهوية، وأن الحادث وقع على خلفية حادث كان سبقه، حصل في منطقة الطريق الجديدة قبل أيام، عندما وقع صدام بين أنصار"المستقبل"وشابين من مناصري أحد الأشخاص المقربين من قيادي في حركة"أمل"وأن الشابين أُدخلا المستشفى بعدها. وتقول مصادر مطلعة ان الحادث ليس معزولاً عن حوادث أخرى تحصل منذ الإعلان عن سحب المظاهر المسلحة من بيروت في 15 أيار الماضي تفاهم الفينيسيا والذي سبقته قرارات بتسلم الجيش المراكز الحزبية لتيار"المستقبل"وغيره في العاصمة. وفيما تقول مصادر"حزب الله"ان على الجيش والدولة العمل على ضبط الوضع الأمني بعدما رفع الحزب الغطاء عن المسلحين في الشارع، فإن عدداً من المراكز التابعة لتيار"المستقبل"والحزب التقدمي الاشتراكي التي احتلت أثناء نزول الحزب مع حلفائه في حركة"أمل"والحزب السوري القومي الاجتماعي، ما زالت في حوزة مسلحي المعارضة. وأن العديد من المناطق التي لم يكن فيها انتشار أو تواجد لأحزاب المعارضة سابقاً، ما زالت الأعلام الحزبية مرفوعة فيها فيما يتواجد المناصرون في الشوارع، لكن من دون سلاح ظاهر، إلا عند توجه بعض العناصر الى بعض المنازل أو الأبنية من اجل السؤال عن بعض الأشخاص، وفق لوائح اسمية بحوزتهم. وفي بعض الحالات يكونون على دراجات نارية كان الجيش أعلن عن منع تجولها بعد السادسة مساء. وهذا هو واقع الحال في مناطق مثل رأس النبع، النويري، بربور، برج ابي حيدر، الزيدانية ورأس بيروت. وذكرت مصادر تيار"المستقبل"ان بعض الأحياء شهد في الأيام الأخيرة عمليات استفراد لمحازبين من التيار في الشوارع، إما خارج منطقة سكنهم، أو حتى في داخلها، وأن هؤلاء تعرضوا للضرب في وضح النهار وأن القوى الأمنية أُبلغت بهذه الحوادث، لكن بين إبلاغها وبين مجيئها تكون هذه الحوادث قد حصلت في سرعة، ما سيثير ردود فعل وتداعيات. والمشكلة في هذه الحوادث ان الألسن تتناقلها في الشارع والأحياء فتتضخم وتزيد من حال التشنج، من دون ان يلغي ذلك حقيقة حصولها، في ظل المشاعر المتأججة والغرائز الفالتة من عقالها، مثل كرة الثلج فتزيد الطين بلة وسط تراجع هيبة القوى الأمنية جراء الصدامات التي حصلت وعجزت عن وقفها الشهر الماضي. وعلمت"الحياة"ان الوضع الأمني الهش في بيروت كان مدار نقاش أول من أمس خلال الاجتماع الأول الذي عُقد بين وفدين نيابيين وقياديين من حركة"أمل"والحزب التقدمي الاشتراكي في مبنى المجلس النيابي. وعلمت"الحياة"ان وفد"أمل"الذي تألف من النائبين علي حسن خليل وعلي بزي ورئيس الهيئة التنفيذية للحركة محمد نصر الله أبلغ النائبين أكرم شهيب ووائل أبو فاعور وأمين السر العام في"الاشتراكي"المقدم شريف فياض، ان رئيس الحزب الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يستطيع ان يلعب دوراً في تنفيس أجواء الاحتقان على مستوى كل لبنان، وليس في الجبل وحده وأن"أمل"تعوّل على هذا الدور. وقالت مصادر المجتمعين لپ"الحياة"ان وفد"أمل"طرح هذا الأمر في سياق البحث في اتخاذ خطوات بين قيادتي التنظيمين لمعالجة آثار الصدامات التي وقعت في منطقة الجبل، وتأكيد أولوية العيش المشترك. وذكرت المصادر ان وفد"أمل"اقترح ان تبدأ الخطوات المنوي اتخاذها بين"أمل"وپ"الاشتراكي"بزيارات مشتركة الى عدد من القرى في منطقة الجبل، حيث حصلت احتكاكات وصدامات دموية، على ان تتوسع لاحقاً وتشمل الأطراف الآخرين. وقالت المصادر ان وفد"الاشتراكي"، أبلغ قيادة"امل"انه يفترض ان تبدأ خطوات تنفيس الاحتقان في بيروت حيث الوضع لا يقل خطورة عن الجبل ونظراً الى ان الحساسية الشيعية ? السنية التي تصاعدت بفعل الأحداث تتطلب المعالجة السريعة التي تنعكس على سائر المناطق اللبنانية. وأوضحت المصادر ان الوفد الاشتراكي نصح قيادة"أمل"بالسعي الى إنهاء التوتر الحاصل في العاصمة والذي يتم بحوادث متفرقة وكرر دعوة جنبلاط القيادات الشيعية الى ان تتعاطى مع الاعتدال السني الذي يمثله زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري على انه ضمانة لمواجهة التطرف في الأوساط كافة. وشدد وفد"الاشتراكي"، بحسب مصادر نيابية، على ان عدم الأخذ في الاعتبار وجوب بدء الإجراءات في بيروت سيزيد من التطرف في الشارع البيروتي وهذا ليس في مصلحة لا السنة ولا الشيعة ولا البلد كله. كما ان"الاشتراكي"اقترح ان تشمل الخطوات التي يُفترض ان تتخذ في الجبل طرفين آخرين في المعارضة يجب مشاركتهما في هذه الخطوات هما"حزب الله"والنائب والوزير السابق طلال أرسلان.