حسمت إسرائيل في اجتماع حكومتها أمس، موقفها من صفقة تبادل الأسرى مع"حزب الله"بعد تردد دام أياماً عدة. وصوَّت 22 وزيراً من أصل 25 تتألف منهم الحكومة على اتفاق تبادل الأسرى الذي جرى بوساطة ألمانية، وتستعيد إسرائيل بموجبه الجنديين الإسرائيليين الداد ريغيف وايهود غولدفاسر الأسيرين لدى"حزب الله"منذ 12 تموز يوليو 2006 ، في مقابل إفراجها عن خمسة معتقلين لبنانيين، بينهم سمير القنطار وجثثاً لمقاتلين من"حزب الله"سقطوا في"حرب تموز"، في حين أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الاتفاق يتضمن أيضاً إطلاق أسرى فلسطينيين. وافتتح رئيس الوزراء ايهود اولمرت جلسة مجلس الوزراء، بدعوة الوزراء إلى الموافقة على الاتفاق الذي اعتبره"باهظ الثمن"، معلناً أن الجنديين قتلا. وحصل بعد الجلسة على موافقة 22 صوتاً من اصل الأعضاء ال25 للحكومة، بحسب مصادر حكومية، في حين أفاد بيان رسمي، بأن الذين صوتوا ضد العملية كانوا وزراء المالية والإسكان والعدل. وقال أولمرت خلال الاجتماع بحسب ما نقلت عنه إذاعة الجيش الإسرائيلي:"في ختام عملية طويلة توصلت إلى النتيجة بأن عليّ كرئيس وزراء أن أوصي أمامكم بأن تصادقوا على مشروع القرار المطروح أمامكم لإنهاء هذه القضية المؤلمة حتى بالثمن المؤلم الذي تتطلبه منا"، في إشارة إلى إطلاق سراح القنطار ضمن الصفقة. الجنديان قتلا وأضاف:"ليس هناك أي احتمال أن يكون الجنديان على قيد الحياة"، مشيراً إلى أن"الفرضية التي عملنا بموجبها طوال الوقت كانت أننا سنستعيد أحياء، لكننا نعلم اليوم في شكل أكيد أنه لا يوجد احتمال كهذا. وهذه المعلومة ينبغي أن تكون الأساس الذي يجري عليه النقاش اليوم"، مؤكدا أن"الجنديين قتلا خلال هجوم"حزب الله"في 12 تموز 2006 أو ماتا متأثرين بجراحهما بعد ذلك بوقت قليل". كما اعتبر أن"إسرائيل ستعرف حزناً لا يوازيه سوى الإحساس بالذل نظراً إلى الاحتفالات التي ستُجرى في الطرف الآخر"اللبناني. ولفت أولمرت إلى أن"حزب الله"أراد من وراء هجومه"تحرير القنطار، على رغم معرفته أنه لن يكون قادراً على تزويدنا بمعلومات حول الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد"، داعياً وزراء حكومته إلى التصويت على الاتفاق، ومشيراً إلى واجب الحكومة حيال عائلتي الجنديين المخطوفين اللتين تعانيان من الغموض المخيم على مصيرهما. أولمرت يشرح تردده وذكرت مصادر اجتماع مجلس الوزراء أنه قبل إجراء تصويت، قال أولمرت:"ترددت كثيراً. يمكن لأشخاص يتحملون مسؤولية عليا مثل مسؤوليتي أن يترددوا، بل من واجبهم أن يفعلوا قبل التوصل إلى قرار سيلقي بتبعاته على حياتنا لسنوات عدة". ووصف في تصريحات أذيعت في وقت سابق عملية المبادلة المقترحة بأنها"أمر يتسم بأسمى نسق أخلاقي". وقال انه كان"تردد في شكل كبير"بعدما استمع إلى الأصوات التي تقول إنه يجب أن تعيد إسرائيل فقط جثث لبنانيين، إذا كان الجنديان الإسرائيليان لقيا حتفهما. وقبل الاجتماع الوزاري، برزت مواقف متناقضة من الصفقة. إذ جدد قائدا جهاز الأمن الداخلي الشين بيت يوفال ديسكين وأجهزة الاستخبارات الموساد مائير داغان تمسكهما بموقفهما الرافض للصفقة. وأعلن رئيسا الجهازين اعتراضهما على عملية الإفراج عن"معتقلين مقابل جثث ولو أن هناك سوابق"، ودعيا الوزراء إلى عدم تأييد الصفقة، بحسب مصادر حكومية. باراك يؤيد أما وزير الدفاع ايهود باراك، فأعلن تأييده للعملية، على رغم تحفظات أجهزة الأمن. وقال الوزير العمالي:"اعتبر بصفتي جندياً وبصفتي ضابطاً تولى قيادة مقاتلين وبصفتي وزيراً للدفاع، أن علينا مسؤولية عليا هي استرجاع أبناءنا أحياء أو أمواتاً". واستحضر وزير النقل شاؤول موفاز مبدأ عسكرياً بضرورة استعادة الجنود من ساحة المعركة سواء كانوا أحياء أو قتلى، قائلاً:"إذا لم تبحث إسرائيل عن أبنائها، فلن يبحث أبناؤها عنها". من جهتها، أوضحت وزيرة التربية الوطنية يولي تامير عمالية أن"إجراء عملية التبادل يتطلب عشرة أيام إلى أسبوعين"، بعد الحصول على ضوء اخضر من الحكومة. أما نائب أولمرت حاييم رامون، فقال إن إسرائيل تواجه اختياراً بين دفع"ثمن مؤكد ومعقول من أجل مبادلة غولدفاسير وريغيف أو الاستمرار في الغموض في شأن مصير أراد". وأضاف رامون لپ"الإذاعة الإسرائيلية"أنه"في مثل هذه الظروف أعتقد أن لا يمكن تفادي اتخاذ قرار لصالح المبادلة"، مشيراً إلى أن"الاتفاق يتضمن مطلباً من"حزب الله"بتقديم تقرير عن جهوده لجمع معلومات بخصوص أراد". وقال إن"حزب الله"استسلم للموقف الإسرائيلي الرافض إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في إطار الصفقة الحالية. ويعد سمير القنطار على رأس قائمة السجناء اللبنانيين المقترح إطلاق سراحهم. ويقضي القنطار الذي كان ينتمي إلى"جبهة التحرير الفلسطينية"عقوبة السجن مدى الحياة لتورطه في مقتل رجل إسرائيلي وابنته إضافة إلى رجل شرطة عام 1979 في نهاريا. وكان مسؤولون إسرائيليون وصفوه من قبل بأنه آخر"ورقة مساومة"من أجل إعادة الطيار أراد الذي اختفى بعد تحطم طائرته فوق لبنان عام 1986. ولم يذكر"حزب الله"الكثير عن المفاوضات غير المباشرة، إلا أن مصدراً سياسياً لبنانياً قال أمس، إن موافقة إسرائيل ستعني أنه يمكن السماح للمبادلة بأن تحدث"خلال أيام قليلة". ضغوط لاقرار الصفقة ويخضع الوزراء منذ أسابيع عدة لضغط متزايد من جانب الرأي العام المتعاطف مع معاناة عائلتي الجنديين المخطوفين اللتين كثفتا مساعيهما لدى الوزراء. وتظاهر أمام مقر الحكومة الإسرائيلية في القدس الغربية أمس، العشرات من المواطنين الإسرائيليين، لمطالبة الحكومة بإقرار صفقة التبادل. وفي هذا الإطار، قال شلومو غولدفاسير والد أحد الجنديين إنه فوجئ لدى سماعه رئيس الوزراء ايهود أولمرت وهو يتحدث بثقة عن أن ابنه والجندي الآخر الداد ريغف ليسا على قيد الحياة. وأضاف أن عائلتي الأسيرين كانتا تعرفان بأن ثمة احتمال لأن يكون الأسيرين ميتين، لكن لم يتأكد لهما ذلك. كما قالت كارنيت غولدفاسير زوجة الجندي أن"سمير القنطار قاتل وحقير، لكن على كل الدولة أن تؤيد صفقة تبادل الأسرى ولا خيار سوى إطلاق سراحه". وكانت الصحف الإسرائيلية نقلت شكوى عائلتي الجنديين اللتين تتهما رئيس الوزراء بپ"المماطلة"مع الاعتراف بأن الحكومة أمام معضلة. وعنونت صحيفة"يديعوت احرونوت"الإسرائيلية عددها أمس، بپ"أعيدوهما إلى الديار"، فيما نشرت صحيفة"معاريف"صور أهالي الجنديين المخطوفين تحت عنوان:"انظروا إلى عيوننا الدامعة". في المقابل، نشر عضو الكنيست يوسي بيلين مقالاً في موقع"يديعوت أحرونوت"الإلكتروني أمس، طالب فيه بإطلاق سراح أسرى لبنانيين أحياء مقابل استعادة الجنديين الإسرائيليين لدى"حزب الله"أحياء. واعتبر بيلين أنه في حال"أطلقنا سراح أسرى مقابل شهيدين، فإننا نمرر لأعدائنا رسالة مفادها أن الحفاظ على حياة الأسرى الإسرائيليين ليس أمراً هاماً".