هل هناك، بالنسبة الى هاوي السينما الحقيقي، ما هو أجمل من أن تتاح له، حين يرى فيلماً روائياً مأخوذاً عن واقع حقيقي، فرصة مشاهدة عمل تسجيلي عن الموضوع نفسه، في الوقت الذي يكون قد انتهى من مشاهدة العمل التخييلي؟ أمر لا يتاح دائماً، لكنه حين يحصل يضاعف من سعادة الهاوي طبعاً، ويجعله أكثر دنواً من الفيلم... وبالتالي أكثر وعياً بعلاقة السينما بالواقع الذي تستعيره. ونقول هذا لمناسبة، عرض خاص تقدمه القناة الفرنسية"الشارع 13"، هذا المساء لعمل وثائقي حققه المخرج الأميركي جوزف ناليفانسكي عنوانه"رجل العصابات الأميركي: حكاية نيكي بارنز الحقيقية". ومن الواضح أن هذا الفيلم الذي عرض في التلفزة الأميركية عشية عرض الفيلم الآخر يحمل العنوان الأول نفسه، فيلم ردلي سكوت"رجل العصابات الأميركي". إذاً، لدينا هنا شريط يحكي، بالمشاهد الحقيقية وبالشهادات وبالسرد التاريخي، ما رواه فيلم سكوت الروائي نفسه"حكاية صعود ونهاية ذلك الرجل الأسود الطموح"قام بالبطولة في فيلم سكوت دنزيل واشنطن حيث لعب دور زعيم آخر هو فرانك لوكاس فيما حضر نيكي بارنز كشخصية ثانوية الذي نازل البيض الأميركيين في عقر دارهم: التهريب والمخدرات، ليصبح سنوات السبعين من القرن العشرين وبالاستفادة من إمكان نقل المخدرات من شرق آسيا الى أميركا على متن الطائرة الحربية الآتية من فيتنام محملة بتوابيت الجنود القتلى، ليصبح واحداً من أخطر المهربين. الحكايتان - الحقيقية والروائية - تبدوان متشابهتين، وان عن شخصيتين مختلفتين. لكن الفارق الأساس يكمن في أنه، إذا كان الفيلم التسجيلي يقدم الحقائق كما هي، عدلياً وبوليسياً وتاريخياً، فإن فيلم ردلي سكوت يؤنسن الموضوع برمته مضفياً إليه أبعاداً درامية فاتنة جعلت من شخصية لوكاس بدل بارنز، شخصية محببة، لا سيما بعد أن يبدأ تعاونه مع البوليس، بل حتى خلال مرحلته الأولى حيث نراه، ضمنياً يتسم بقدر كبير من الأخلاقية. من هنا، إذاً، تأتي أهمية مشاهدة العملين معاً، والمقارنة بينهما... لأن النتيجة ستكون بالتأكيد درساً حقيقياً في السينما... وأكثر من هذا: درساً في كيفية استخدام السينما للواقع.