من سيرة "غير مأذونة" لبولانسكي تتحدث عن طفولته ومشاكله في أميركا، الى حديث في أكثر من ساعة ونصف الساعة مع مارادونا وعنه، مروراً بقسم أول من عمل طويل عن تشي غيفارا، وبسيرة عن الزعيم الإيطالي الراحل جوليو اندريوني تركز خاصة على محاكمته لعلاقاته المكتشفة لاحقاً بالمافيا، وصولاً أخيراً الى فيلم رسوم متحركة، يتحدث عن بشير الجميل من خلال حكاية تتعلق بغزو الجيش الاسرائيلي لبيروت ومجازر صبرا وشاتيلا، تقترب السينما هذه المرة أيضاً من السير الذاتية لبعض كبار النصف الثاني من القرن العشرين. بعض هؤلاء سياسي، والبعض رياضي وفني.. لكن اللافت هو أن بعض الأفلام يحمل تواقيع غير متوقعة وإن كانت أخبار خوضها غمار هذا النوع السينمائي غير جديدة. المهم هنا أن هذه الدورة لمهرجان"كان"تجمعها معاً، سواء أكانت روائية، أم تسجيلية أم بالرسوم المتحركة. ويقيناً أن أحاديث"كان"سوف تتجه الى هذه الأفلام بشكل خاص، نقداً أو احتجاجاً، مدحاً أو تعبيراً عن خيبة أمل. والقاسم المشترك بين كل هذه الأعمال هو أن قلة من الناس تعرف عنها شيئاً منذ الآن، على الأقل لناحية ترجمتها على الشاشة الكبيرة. والبداية طبعاً ستكون مع أمير كوستوريتا الذي بعدما عاد خلال العامين الأخيرين الى"كان"بفيلم لم يحقق ما كان مرجواً له من نجاح، نقدي أو جماهيري، عنوانه"اخترني"، ربما يعوض على هذا، في دورة هذا العام من خلال فيلمه، الذي يعده منذ وقت طويل عن لاعب الكرة الأرجنتيني مارادونا. من خلال ما توافر عن الفيلم حتى اللحظة، واضح أن المخرج"اليوغوسلافي"صوّر اللاعب الأشهر عالمياً، بكثير من الود والرفاقية، لكنه في الوقت نفسه قال ما له وما عليه، وأبدع في تصوير البيئة الأرجنتينية التي ترعرع فيها مارادونا. البيئة الأرجنتينية أيضاً صورها ستيفن سودربرغ، الذي يقدم هذه المرة جزئي فيلمه الثنائي عن تشي غيفارا، وعنوانه"سنوات الأرجنتين". وهذا المشروع يشتغل عليه صاحب"أوشن وأصدقاؤه"منذ سنوات من دون أن يكون عارفاً سلفاً أنه سيسفر عن فيلمين. هذا الفيلم أيضاً لا يُعرف عنه الكثير، لكن الذين عرفوا عنه بعض الأشياء قالوا إنه ربما يعوض للثائر الأسطوري حيفاً كان لحق به في السينما الأميركية ولا سيما عندما حقق فيلم قام عمر الشريف بدور"تشي"فيه، كما أن الفيلم الجديد يبدو متكاملاً مع التحفة الغيفارية التي قدمها والترساليس قبل سنوات. في السياسة دائماً هناك اندريوتي. هذا الزعيم الايطالي الديموقراطي المسيحي الذي حكم شبه الجزيرة سنوات طويلة، كان من أبرز معالمها سقوط الديموقراطية المسيحية في عصره وصعود المافيا. والفيلم يقدمه الينا كمسؤول عن الحالتين. الفيلم روائي عنوانه"الديفو"? مذكر"ديفا"الاسم الذي يطلق خاصة على كبيرات مغنيات الأوبرا ? وهو يتابع، بشيء من القسوة، تعمدها كما يبدو مخرجه باولو سورنتينو، حياة هذا الزعيم الذي انتخب نائباً ست مرات، ليحاكم عام 1992 بتهمة الارتباط بالمافيا، ثم خاصة بتهمة التحريض على قتل صحافي ايطالي يساري. وحتى وإن كان اختيار هذا الفيلم في"كان"شكل مفاجأة، فإن جمهوراً كبيراً سوف يشاهده ليشاهد، مرة أخرى، قدرة السينما الايطالية على اختراق السياسة، وإن ليس على طريقة ناني موريتي هذه المرة. اختراق ولكن من نوع آخر تسجله المخرجة الأميركية الشابة مارينا زينوفيتش من خلال فيلمها التسجيلي البريطاني/ الأميركي المشترك،"رومان بولانسكي: مطلوب ومرغوب". هنا على مدى ساعة وربع الساعة تروي لنا المخرجة، من خلال مشاهد حقيقية لبولانسكي نفسه وزوجته المغدورة وهي حامل، شارون تيت، وميا فارو، بطلة أول أفلامه الأميركية"طفل روزماري"، حكاية هذا المخرج منذ الطفولة الصاخبة وسط الاضطهاد والمذابح النازية في بولندا، حتى مطاردة القضاء الأميركي له بتهمة اغتصاب قاصر. أما العمل الخامس في هذه السلسلة، فهو الفيلم الاسرائيلي بالرسوم المتحركة"فالس مع بشير"وهو مأخوذ عن كتاب شرائط مصورة، كان أثار ضجة حيث صدر قبل فترة، لأنه يدنو من قضية شائكة هي مجازر صبرا وشاتيلا في ضاحية بيروت 1982. يومها كان صاحب الفيلم آري فولمان، جندياً في قوات الغزو، ومن هنا يروي لنا الحكاية عن قرب: حكاية مشاركة فولمان في تلك المهمة القذرة: دعم الذين ذبحوا الفلسطينيين واللبنانيين في المخيمين، اثر اغتيال الرئيس المنتخب في ذلك الحين بشير الجميل. الفيلم، اذاً، يحكي حكاية ليلة الرعب التي يفضل كثر من الاسرائيليين اليوم السكوت عنها. واذا كان هذا الفيلم قد عرض في مهرجانات عدة حتى اليوم. فإن عرضه في كل مرة أثار ضجة. ومن المتوقع أن يحدث الشيء نفسه في"كان". خمسة أفلام اذاً تؤمن الجزء الرئيس من حضور السيرة الذاتية من دورة"كان"لهذا العام... ويقيناً ان كلاً منها على طريقته، سيؤمن صخباً وسجالاً كبيرين.