لا يحظى "عيد الأب" بمكانة "عيد الأم"، ربما لأن الأول جاء "تقليداً" للثاني. وأطلقت فكرة عيد الأب، من واشنطن عام 1909، الأميركية سونورا سمارت دود التي أرادت تكريم والدها"لتضحيته ونكرانه ذاته وتكريس حياته لتربية أطفاله". وما لبثت هذه الفكرة ان عمت الأوساط المدينية والسياسية الأميركية، حتى تبناها الرئيس ريتشارد نيكسون، وأقرّها الكونغرس في 3 حزيران يونيو 1972. ثم أصبح عيد الأب مناسبة شبه عالمية، يُحتفل بها في دول كثيرة، ولو بتواريخ مختلفة. وفي كندا، تاريخ هذا العيد 15 حزيران من كل عام. تغير الصورة النمطية وأعلن"مجلس ضمان الأبوة"الكندي، وهو مؤسسة نقابية تدافع عن حقوق الآباء، أن الآباء يقتربون أكثر فأكثر من أبنائهم. إلاّ أن طريق الأبوة لا تزال شائكة. ومحاولات الرجال انتزاع اعتراف بمساواة الأبوة والأمومة، تصطدم أحياناً بالأحكام المسبقة الراسخة في المجتمع. ويؤكّد المجلس حصول تغيير ما أو تحوّل ما في دور الأب الذي"تصاعد، خلال السنوات الماضية، وانتزع قسطاً من حقوقه المهضومة". والحق أن آباء كثيرين يشعرون بالإحباط، بسبب تدني مكانة دورهم في العائلة عن دور الأمهات، فالمجتمع الكندي لا يزال يعتبرهم آباء"مستبدين"، وأسياد القول والفعل في العائلة، وأصحاب سلطة ومركز قرار... ولعل هذه المواقف، التي لا تشبه الواقع تماماً، تنطوي على رواسب من الماضي، عندما كان للأب سطوته. وفي محاولة لجلاء الصورة الأبوية في كندا، نفّذت مؤسسة"سوم"استطلاعاً شمل نحو 6 آلاف أب. وتشير النتائج إلى أن 56 في المئة منهم يؤكدون أنهم يحظون بمكانة مهمة أو رفيعة بين أبنائهم، لم تكن موجودة في السابق، سواء من ناحية الجلوس معهم أم الإصغاء إلى مشاكلهم أم الاهتمام بدروسهم، أم مشاركتهم في نشاطات ترفيهية. وهناك 52 في المئة من هؤلاء الآباء يعتنون بأطفالهم اكثر مما تفعل أمهاتهم، و85 في المئة ينفّذون معظم الواجبات المنزلية. ورد أحمر... ورد أبيض وفي عيد الأب، تحرص وسائل إعلام كندية على بث برامج تلفزيونية تبرز الجانب المضيء من حياة الآباء، الذين يطعمون أطفالهم، ويغيرون لهم الحفاضات، ويغسلون ثيابهم، ويصطحبونهم في نزهة... وما إلى هناك من أعمال كانت"حكراً"على الأمهات. ويقول والد شاب في مونتريال، هو مارتان سان جرمان 27 سنة وهو يحمل طفله 5 أشهر:"أتولى رعايته في نهاية كل أسبوع، وأشاطر أمه كل ما يحتاجه من طعام وشراب وحب وحنان. وأشعر بسعادة لا توصف حين يبادلني فرحي بابتسامة عريضة. هو ابني الأول. وأنا فرح جداً، مع أني لا أنكر أني أصاب ببعض الإرباك". احتفالات عيد الأب لا تختلف عن مثيلاتها في عيد الأم سواء على المستوى التجاري أم على مستوى التكريم. فالمؤسسات التجارية تعود أيضاً وتستغل هذه المناسبة للترويج، وتزيين واجهات المحال. وللمناسبة، تقدّم ورود حمر للآباء، وأخرى بيض للآباء المنفصلين عن زوجاتهم ويربّون أبناء غير أبنائهم. ويصطحب الآباء الأبناء والزوجات إلى المطاعم، وأندية الترفيه، والحدائق العامة... ويقضون معهم أمتع الأوقات، للتعويض عما فاتهم. أما الأبناء وأمهاتهم فيبادلونهم المحبة بمثلها ويقيمون المآدب العائلية في أجواء تغمرها السعادة والفرح، ولا يترددون عن تقديم الهدايا، من ثياب وعطور، وغير ذلك. ومن المكتسبات التي حققها الآباء، وتُعتبر خطوة كبيرة لاستكمال المساواة بين الرجل والمرأة، أو بين الأبوة والأمومة، أن المشرع الكندي منح الأب عطلة أبوة مدفوعة لا تقل عن خمسة أسابيع، تضاف إلى عطلة الأمومة 18 أسبوعاً، علماً أن عطلة الأبوة قد تمدد الى 32 أسبوعاً، إذا استدعت ظروف المولود الجديد مزيداً من العناية، أو اضطرت الأم إلى العودة إلى عملها. وتقول"رابطة الأبوة في كيبك"إن العيد مناسبة مهمة تحقق توازناً إنسانياً،"ونوعاً من المقايضة الاجتماعية بين العمل والعائلة". وفي هذا السياق، تشير الإحصاءات الكندية المتعلقة بفرص الأبوة، إلى أن نسبة الآباء الذين يأخذون عطلة أبوية زادت بنسبة 15 في المئة عما كانت عليه في 2005، وأن نسبة الآباء الذين يتولون العناية بأبنائهم الطبيعيين أو بالتبنّي، زادت أيضاً 28 في المئة. وثمة من يرى ان هذه التشريعات الجديدة تشجع الشباب على الزواج والإنجاب وبناء العائلة، علماً أن نسبة الولادات في كندا لا تتجاوز 1 في المئة. وأصبح في إمكان الأبوين أن يحظيا بعطلة أمومة أو أبوة تصل أحياناً إلى نحو سنة، أو أن يضعا طفلهما، إذا كانا يعملان، في دور حضانة رسمية، بكلفة لا تتعدى 5 دولارات كندية يومياً. وتعقيباً على هذه المكتسبات والتغيرات التي ترافق عيد الأب، ترى ديان غبريال ترامبلي، وهي باحثة وأستاذة التنظيم الاجتماعي ? الاقتصادي في جامعة مونتريال، أن الآباء يريدون أن يتحملوا قسطاً وافراً من مسؤولياتهم، وان يشاركوا في تحمل أعباء العائلة وتربية الأبناء،"وأن يكونوا إلى جانبهم في السراء والضراء، وسنداً أساسياً للأمهات". وهي تشير إلى أن الشركات والمؤسسات التي كانت تمانع إعطاء فرص أبوة لموظفيها، أصبحت، إثر التشريعات الأخيرة مرغمة على التقيد بها، تحت ضغط النقابات العمالية. والقضاء الكندي يسمح للآباء المنفصلين عن زوجاتهم بزيارة أبنائهم مرة في الأسبوع، على الأقل، وبقضاء بعض الوقت معهم، حفاظاً على رحم الأبوة، وقطعاً لأي محاولة قد تقدم عليها الأم، كتأليب الأبناء على أبيهم أو إبعادهم عنه.