انطلقت فكرة عيد الأب من واشنطن عام 1909 بمبادرة من سيدة أميركية تدعى سونورا دود، وفاء لتضحية والدها وتكريمه على نكران ذاته وتكريس حياته لتربية أطفاله. وسرعان ما عمّت هذه الفكرة أوساطاً مدنية وسياسية داخل الولاياتالمتحدة وخارجها، وتبنّاها الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون وأقرّها الكونغرس في 3 حزيران (يونيو) عام 1972. وبعد هذا التاريخ، أصبح عيد الأب مناسبة شبه عالمية تحتفل بها بلدان كثيرة، وإن بتواريخ مختلفة، بينها كندا التي احتفلت به الأحد الماضي (19 الجاري). تراجع الأحكام المسبقة على رغم أن طريق الأبوة لا تزال شائكة، بسبب تدنّي دور الأب العائلي واعتباره مستبداً ومتسلّطاً والآمر الناهي وصاحب القول والفعل، إلا أن آباء اليوم باتوا يقتربون أكثر فأكثر من أبنائهم ويحاولون الوصول إلى اعتراف بحقوقهم المهضومة على أمل مساواتهم مع حقوق الأمهات. وفي هذا السياق، يؤكّد «مجلس ضمان الأبوة « الكندي، وهو مؤسسة نقابية تدافع عن حقوق الآباء، «حصول تغيير تصاعد في السنوات الأخيرة وانتزع قسطاً لا بأس له من حقوقهم المسلوبة». وفي محاولة لجلاء صورة الأب في كندا، أجرت مؤسسة «سوم» أخيراً استطلاعاً شمل 6 آلاف أب. وأظهر أن 56 في المئة يحظون بمكانة رفيعة بين أبنائهم لم تكن موجودة من قبل، سواء لجهة الجلوس معهم أو الإصغاء إلى مشكلاتهم، أو الاهتمام بدروسهم، أو مشاركتهم في نشاطات ترفيهية. وأشارت نسبة 52 في المئة من المستطلعين إلى أنهم يعتنون بأطفالهم أكثر من أمهاتهم، و85 في المئة يقومون بأعمال منزلية مختلفة. ورد أحمر... ورد أبيض في عيد الأب الكندي، تحرص وسائل الإعلام على إبراز الوجه المشرق للآباء كإطعام أطفالهم، وتغيير حفاضاتهم، وغسيل ثيابهم، واصطحابهم إلى مطاعم الوجبات السريعة لتناول ما يشتهون، وقضاء أوقات ممتعة معهم، وغير ذلك من واجبات كانت حكراً على أمهاتهم. أما الاحتفال بالعيد فلا يختلف عن مثيله عيد الأم على المستويين التكريمي والتجاري. إذ تروّج المؤسسات التجارية للمناسبة وتستغل مشاعر الآباء والأطفال وتزيّن واجهات المحال، وتقدّم كتقليد تضامني، ورداً أحمر للأباء الطبيعيين وورداً أبيض للأباء المنفصلين عن زوجاتهم. أما الأبناء والأمهات فيبادلونهم المحبة بمثلها ويقيمون لهم المآدب العائلية في أجواء تغمرها السعادة والفرح، ويقدّمون لهم هدايا ثمينة من ثياب وعطور وغيرها. توازن إنساني ثمة من يرى أن ما حققه الآباء من حقوق ومكتسبات يُعتبر مقدّمة طبيعية على طريق المساواة بين الأم والأب خصوصاً، والرجل والمرأة عموماً. فقد منح المشرّع الكندي الأب عطلة أبوة مدفوعة الأجر لا تقلّ عن خمسة أسابيع تضاف إلى عطلة الأمومة (18 أسبوعاً) ، علماً أن عطلة الأب قد تمتد إلى 32 أسبوعاً إذا استدعت ظروف المولود الجديد مزيداً من العناية والرعاية، أو إذا اضطرت الأم إلى التوقّف عن عملها. كما وفّر المشرّع للآباء المنفصلين عن زوجاتهم زيارة أبنائهم وقضاء بعض الوقت معهم، حفاظاً على رحم الأبوة وقطعاً لأية محاولة قد تقوم بها بعض الأمهات كتأليب الأبناء على آبائهم أو إبعادهم عنهم أو إثارة مشاعر الكراهية لهم. وتعتبر «رابطة الأبوة في كيبيك» أن هذه المكتسبات تشكّل قفزة نوعية وتحقق توازناً إنسانياً بين الأم والأب، ونوعاً من المقايضة الاجتماعية الاقتصادية بين العمل والعائلة، ودعوة إلى تشجيع الشباب على الزواج والإنجاب وبناء العائلة وزيادة أفرادها عن المعدّل الذي لا يتجاوز واحداً في المئة.