تعيش أم رنا 43 سنة، حالة قلق مستمرة منذ أيام، فالامتحانات النهائية التي بدأت مطلع حزيران يونيو الجاري في العراق دفعتها إلى إعلان حال طوارئ في منزلها لتوفير الجو الملائم للدراسة، وفسح المجال أمام الأولاد للحصول على علامات جيدة. أم رنا تعقد أمالاً كبيرة على ابنتها، رشا 18 سنة، وتتمنى أن تحصل على علامات تؤهلها لدخول كلية الصيدلة أو كلية الطب، على غرار ما حصل مع شقيقتها هيام، العام الماضي، والتي تمكنت من دخول كلية الطب. وكانت شقيقتهما الكبرى رنا دخلت كلية الهندسة، بعد حصولها على معدلات"رفعت رأس العائلة"، وأثبتت للجيران والأصدقاء والأقارب أن بناتها"متفوقات على غيرهن. اشتهر منزل أم رنا بتفوق البنات السبع للعائلة، وأصغرهن نسرين، التي حصلت على علامات كاملة في المرحلة الرابعة للدراسة الابتدائية. وعُرفت أم رنا بحرصها على الدراسة والعلم والسعي المتواصل الى تعليم البنات، وضمان مستقبلهن المهني، الذي"سيكون السند الوحيد لهن في حال وقوع مكروه للأبوين، اللذين لم يرزقا ذكراً". ووجدت العائلة أن تفوق بناتها في الدراسة يكون شفيعاً لهن من مطبات الحياة وعوارضها. حال القلق والخوف التي تعيشها أم رنا فترة الامتحانات تكاد تكون"عامة لدى العائلات العراقية التي تدفع بها الظروف أحياناً كثيرة إلى المشاركة في عمليات"الفتن"التي يقوم بها أبناؤها أثناء الامتحانات سواء من طريق الهاتف النقال الذي بات استخدامه شائعاً في عمليات الغش أو تصغير محتويات الكتب لتصل إلى حجم يتمكن الطالب من إخفائه في ملابسه. سداد ياسين صاحب مكتب"الصرخة"للاستنساخ في باب المعظم، يقول ان أحد الطلاب في كلية الهندسة يرسل والدته في الصباح الباكر لتقوم بنسخ الملازم الدراسية له، كي يتمكن من إدخالها معه إلى قاعة الامتحان. وتتذرع الأم التي يدفعها الخوف على مستقبل ولدها ورغبتها في أن يتمكن من تحقيق طموحاته، بمختلف الحجج والمبررات، للشاب"الكسول". وتقول انه يقضي غالبية الوقت في العمل بعد الدراسة ويعود إلى المنزل في وقت متأخر ولا يستطيع إنهاء مراجعة المواد كلها. ويحرص الكثير من العائلات العراقية، على مرافقة أولادها إلى مدارسهم لا سيما الفتيات والأطفال الصغار لضمان وصولهم في الموعد المحدد للامتحان. وتفضل كثيرات من الأمهات انتظار بناتهن وأطفالهن، إلى حين انتهاء الوقت المخصص للامتحان والاستفسار عن إجابات الأبناء والدرجات التي يتوقعون الحصول عليها. ويحصل الطلبة من عائلتهم على وعود بالسفر والهدايا في حال تفوقهم في الامتحان، ويعتقد الأهل أن هذا الأسلوب هو أحد الدوافع المهمّة في تحفيز الأبناء على الحصول على علامات جيدة. وتبدو العائلات الميسورة أقل اهتماماً بقضية الامتحانات ونتائجها اذ تلجأ غالبيتها إلى تشكيل فريق متكامل من المدرسين الخصوصيين لأولاده بهدف التخلص من عبء المتابعة وهموم الامتحانات. ويتحمل الأستاذ الذي يقوم بالتدريس الشق الأكبر من المسؤولية في قضية فشل الطالب في الحصول على درجات مرتفعة ويتحول إلى شمّاعة دائمة يعلّق عليها أبناء الميسورين أخطاءهم وقلة اهتمامهم بالجانب العلمي. وهو ما يلجأ إليه غالبية الطلاب الذين لا يتمكنون من الحصول على درجات تؤهلهم للدخول إلى الجامعات.