فرضت على طلاب الشهادتين الاعدادية والثانوية في سورية حالة حصار وحظر تجول، اذ اشتدت قائمة الممنوعات قسوة لتشمل التلفزيون والمذياع واستقبال الضيوف والحديث على الهاتف، وحتى مناقشة أمور الاسرة من الممنوعات، لأن الهدوء مطلوب لاجتياز الامتحانات والحصول على درجات عالية. ولا يطبق حظر التجول على الطلاب فقط بل على كل افراد الاسرة. تقول إحدى الامهات: "تقدم ابني الكبير الى امتحان الشهادة الثانوية هذا العام وكان على جميع اخوته احترام مشاعره لذلك ارجأنا جميع المشاريع والزيارات والتسليات الى ما بعد هذه الفترة". وتضيف: "الهدوء مطلوب، كل درجة اضافية يحصل عليها الطالب تعزز موقفه من اختيار فرع معين في الجامعة". وحالة الحصار ليست التدبير الوحيد الذي تقوم به نصف مليون عائلة هذا العام، فهناك كلفة مادية اضافية يدفعها الاهل تضاف الى المعاناة النفسية التي يعيشونها قبل الامتحان بشهر كامل في محاولة لايجاد افضل مدرس خصوصي ليسهر مع الطالب حتى صباح الامتحان، ذلك ان الطلاب والأهل يعتقدون ان الدروس الخصوصية و الدورات وغيرها تصنع المعجزات، حتى لو دفعوا ثمنها من قوتهم اليومي. المهم ان يتماشوا مع الموضة، وموضة هذه الايام كليات الطب والصيدلة والهندسة على رغم التراجع الكبير في مداخيل ممارسيها. يقول الشاب احمد إن معظم الطلاب يعيد تقديم الشهادة الثانوية للحصول على درجة اضافية للظفر بمقعد في كلية الطب، لكن اعادة السنة لا تعني الحصول على المقعد، فالشروط غير ثابتة، لأن درجات القبول ترتفع من 4 إلى 8 درجات سنوياً في معظم كليات الجامعة. ويُشترط لدخول كلية الطب الحصول على223 درجة من اصل 240، غير ان اعادة السنة لا تعني الحصول على علامات أكثر. يقول الشاب بشير: "حصلت في المرة الاولى لتقدمي للشهادة الثانوية على 194 درجة وكنت ارغب في دخول كلية الهندسة التي تحتاج الى 210 درجات غير انني بعد ان اعدت السنة حصلت على 194درجة مرة أخرى". ويرى معظم الطلاب ان شرح الاستاذ داخل الصف غير كاف ومن الضروري الاستعانة بمدرس للمادة يقوم بتوضيح ما فاتهم داخل الفصل، غير ان بعض الاساتذة يرفض اعطاء طلابه دروساً خصوصية. يقول أحد المدرسين: "عندما كان طلابي يأتون لأخذ دروساً خصوصية كنت اقول لهم ابحثوا عن غيري لأنكم لم تفهموا علي خلال الحصة الدرسية وربما تجدون مدرساً له اسلوب في الشرح يتماشى مع طرائق تفكيركم". ويضيف آخر: "يجب ان لا تؤثر الدروس الخصوصية على عطاء المدرس داخل الصف ومن المفترض الا يعطي المدرس دروساً خاصة لطلابه بل لغير طلابه لأن الذي لا يفهم على مدرسه في الصف لا جدوى من اعطائه الدرس في البيت والأفضل أن يبحث عن مدرس اخر يعطيه المادة". ويعتبر البعض ان الدروس الخصوصية مسألة غيرة. ويوضح أحد الموجهين: "الطلاب يغارون من بعضهم بعضاً. عندما يسمع أن زميله يأخذ دروساً خاصة يصبح الطالب راغباً بها"، في حين يرى آخرون ان "الدروس الخصوصية مرض اجتماعي مستشرٍ، ذلك ان العديد من الأسر كون قناعات راسخة بأن هذة الدروس هي الطريق الوحيد للحصول على نتائج افضل". ويصف الأهالي الدروس الخصوصية بأنها "شر لا بد منه". وتقول إحدى الامهات: "إن الجميع مقتنع بأن هذه الدروس ظاهرة غير صحية، لكن القناعة شيء والواقع شيء آخر، لأن السعي وراء الدرجات يتطلب ان يتحول الطلاب الى آلات تسجيل تستطيع اعادة المعلومات في أي وقت". والنتيجة هي ان المدرسين الخصوصيين يحققون دخلاً ممتازاً من خلال الدروس التي يعطونها للطلاب في بيوتهم وخارج أوقات الدوام. يقول الشاب احمد: "نستطيع في المدرسة تمييز المدرس الذي يعطي دروساً خاصة، حيث أصبح لدى الكثير منهم سيارات فارهة، وبدت النعمة ظاهرة عليهم تماماً". في المقابل بقي مدرسو المواد النظرية على حالهم من الحاجة والفقر حيث لا أحد يأخذ دروساً خصوصية في مادة التاريخ مثلاً. ويشكل مدرسو المواد العلمية شريحة مميزة في دخلها وحديثها داخل الوسط التربوي، الأمر الذي انعكس سلباً على الحالة النفسية والانتاجية لمعلمي المواد النظرية. كما ان مدرسي المواد العلمية اصبحوا يميزون داخل الصف الواحد بين الطلاب، فيحظى الطالب الذي يأخذ عندهم دروساً خصوصية بمعاملة متميزة اكثر من زملائه، بالاضافة الى تدني مستوى اداء الاستاذ داخل القاعة الدرسية بغية لفت انظار بقية الطلاب الى أهمية الدروس الخصوصية. وجاء في دراسة أعدها أنه "من خلال احصاء الناجحين في الثانوية العامة الفرع العلمي في مدينة طرطوس لوحظ ان عدد الذين حصلوا على علامات تؤهلهم لدخول كلية الطب أي كان مجموع علاماتهم اكثر من 223 درجة، لا يتجاوز 23 طالباً، وان اكثرهم من أبناء ذوي الدخل المرتفع. كما تراجع عدد المتفوقين من ابناء ذوي الدخل المحدود بعكس ما كان يحدث منذ سنوات عندما كان المعلم يعطي لقناعته بأن العطاء واجب والتعليم رسالة انسانية قبل كل شيء". وتضيف الدراسة: "أولاد ذوي الدخل المرتفع وحدهم الذين يستطيعون اخذ الدروس الخصوصية، ويتراجع مستوى بقية الطلاب نتيجة تراجع اداء المدرس داخل الصف وعدم قدرة الطالب المادية على الحصول على هذه الدروس". ويوضح احد الموجهين المتقاعدين: "لم تكن الأمور كما هي الآن، فراتب المدرس كان جيداً قياساً بباقي الاختصاصات وبالنسبة إلى جيلنا استطعنا من رواتبنا بناء انفسنا واشترينا بيوتا وتزوجنا خلال خمس أو ست سنوات، اما الآن فالأمر مستحيل، لذلك فمن الصعب السيطرة على هذه الظاهرة". في حين يرى احد الخبراء "ان القضاء على هذه الظاهرة يحتاج الى اعادة النظر في دخل المدرسة، إضافة الى تغيير اساليب التقويم والامتحانات المعتمدة في البلاد، واعتماد طرائق تقوم عمل الطالب خلال العام الدراسي فتقيس قدراته وتجعل الامتحانات عملية طبيعية غير مرعبة ولا مخيفة".