أجمعت تصريحات أقطاب في الساحة الحزبية الإسرائيلية وتعليقات كبار المحللين في الشؤون الحزبية على أن الحياة السياسية لرئيس الحكومة ايهود اولمرت بلغت منتهاها. وارتسمت ملامح قوية لانتخابات عامة مبكرة يراها المراقبون محتومة، وإن اختلفوا على موعدها أواخر العام الحالي أم مطلع ربيع العام المقبل. ورغم محاولات رئيس الحكومة بث الانطباع بأنه ليس متأثراً بالأجواء الجديدة التي نشأت بعد إفادة رجل الأعمال اليهودي الأميركي موريس تالانسكي بأنه سلم اولمرت 150 ألف دولار من دون أن يصرح الأخير عنها للسلطات المختصة، وبأنه يدير شؤون الدولة العبرية"كالمعتاد وكأن شيئاً لم يكن"، أفادت الصحف العبرية بأن اولمرت"منهار... والكل يغلق عليه ويطوقه". وكتبت صحيفة"معاريف"في عنوانها الرئيس أمس أن جل ما يرجوه رئيس الحكومة هو أن تُتاح له مغادرة كرسيه باحترام. وأكدت أوساط قضائية أمس أن مسودة لائحة اتهام بتبييض الأموال تستند إلى أدلة دامغة، باتت شبه جاهزة في درج المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز، وان الأخير عاقد العزم على الوصول إلى نقطة الحسم في أقرب وقت ممكن. وأضافت أنه في حال نجح المستشار في إثبات التهمة فعلاً، فإن إدانة رئيس الحكومة بهذه المخالفة تمهد لإدانته بخيانة الأمانة أيضاً. وزادت أن الشرطة ستواصل في موازاة ذلك البحث عن أدلة تدين اولمرت بتلقي الرشوة. "لا مناص من انتخابات مبكرة" ورأى زعيم"العمل"وزير الدفاع ايهود باراك أنه"لا مناص، كما يبدو، من انتخابات مبكرة". وأضاف خلال اجتماعه بأعضاء كتلة حزبه البرلمانية أمس، وغداة مطالبته اولمرت بالتنحي وتسليم رئاسة الحكومة لشخصية أخرى في الحزب، انه من أجل عدم زعزعة النظام واستقراره ما زال يفضل تشكيل حكومة بديلة برئاسة شخصية أخرى من"كديما". لكنه أضاف:"لكن يبدو أن انتخابات ستجري في بحر عام". وكان وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعيزر دعا ناشطي"العمل"الميدانيين إلى بدء الاستعدادات لانتخابات وشيكة. إلى ذلك، تحدثت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، المرشحة لخلافة اولمرت على رأس"كديما"، مع نواب من حزبها عن مصير الحزب ووجوب استعداده لانتخابات مبكرة. وسيعقد"مجلس حاخامات التوراة"لحركة"شاس"الدينية الشرقية اجتماعاً الأسبوع المقبل لإقرار مطالبة رئيس الحكومة برفع مخصصات الأطفال شرطاً لبقاء الحركة الدينية في الائتلاف الحكومي، وهو مطلب يبدو تعجيزياً لكنه سيُظهر الحركة أمام ناخبيها بأنها انسحبت من الحكومة على أساس"مسألة مبدئية"، وليس خنوعاً لضغوط حلفائها السابقين من اليمين المتشدد للانسحاب من الحكومة وإسقاطها على خلفية تحركاتها السياسية مع الفلسطينيين والسوريين. ونقل عن زعيم الحركة نائب رئيس الحكومة ايلي يشاي أنه سيقترح على مجلس الحاخامات تأييد مشروع قانون لتقديم الانتخابات لأنه لا يرى احتمال تشكيل حكومة بديلة برئاسة شخصية من"كديما"واقعياً. ومن الواضح أنه في حال أيد نواب"شاس"تقديم الانتخابات، فإن الاقتراحات الكثيرة المطروحة على جدول أعمال الكنيست لحلها وتبكير الانتخابات، ستحظى بالغالبية البرلمانية المطلوبة. وكتب أحد المعلقين أنه عندما يتحدث يشاي عن"دينامية لانتخابات مبكرة تشهدها الكنيست"، فإنه يقصد عملياً، أنه سيسرّع هذه الدينامية كما فعل في الماضي. "اولمرت منهار" وكتبت"معاريف"أن اولمرت أجرى في الأيام الأخيرة اتصالات مع أعضاء في حزبه طالبهم خلالها بعدم القيام بأي تحرك داخل الحزب لإطاحته، بل انتظاره حتى يعود من زيارته القصيرة لواشنطن الأسبوع المقبل. وبحسب التقديرات، فإنه ينوي مع عودته إجراء انتخابات داخلية على زعامة الحزب لا يشارك فيها ليسلم الزعيم الجديد راية القيادة، و"بذلك يضمن لنفسه خروجاً مشرفاً". وأضافت الصحيفة أن اولمرت سيرمي بثقله داخل الحزب لمنع فوز وزيرة الخارجية تسيبي ليفني في الانتخابات الداخلية، وأنه سيدعو انصاره الى التصويت لمصلحة حليفه وزير المواصلات شاؤول موفاز. لكن احتمالات ان ينجح خلف اولمرت في حال استقال الأخير في تشكيل حكومة بديلة ليست كبيرة على خلفية تردد"شاس"في البقاء في حكومة يعتبرها اليمين المتشدد يسارية. حسابات باراك من جهته، يطمح باراك حقاً إلى حكومة بديلة برئاسة ليفني يكون فيها، بصفته الدماغ العسكري والجنرال الأبرز في تاريخ إسرائيل وعلى خلفية افتقار ليفني للتجربة في القضايا الأمنية، المحرك الأساسي والآمر الناهي. وليس خفياً أن باراك، كما حزب"العمل"المأزوم، يخشى انتخابات مبكرة ستأتي بحسب كل استطلاعات الرأي بزعيم"ليكود"بنيامين نتانياهو وباليمين المتشدد إلى سدة الحكم. ولا يزال باراك يعوّل على تحسين شعبيته من موقعه وزيراً للدفاع، وهو المنصب الذي شكّل على الدوام خشبة القفز إلى كرسي رئاسة الحكومة. ويذكر الإسرائيليون جيداً كيف أنقذ رئيس الحكومة السابق مناحيم بيغين نفسه من هزيمة بدت محتومة في انتخابات عام 1981 بأمره قصف المفاعل النووي في العراق، ما أكسبه من جديد ثقة الناخب الإسرائيلي. ورأى المعلق البارز في الإذاعة العامة حنان كريستال أن باراك ما زال يسعى الى البقاء في منصبه حتى انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش مطلع العام المقبل، أملاً في أن يقوم الأخير بفعل شيء ما للجم المشروع النووي الايراني. "انتهت القصة" وحملت تعليقات الصحف العبرية وكبار محلليها في الشؤون الحزبية أمس"نعياً"لحياة اولمرت السياسية. واختارت صحيفة"هآرتس"عنواناً لافتتاحيتها من كلمتين:"بعد اولمرت"، وكتبت جازمة أن الستار أسدل على حياة رئيس الحكومة السياسية. وتحت عنوان"انتهت القصة"، كتبت سيما كدمون في"يديعوت احرونوت"أنه إزاء رفض رئيس الحكومة الاستقالة أو الخروج في إجازة أو الإعلان عن تعليق مهماته، فإن باراك سيجد نفسه مضطراً قريباً إلى تنفيذ ما وعد به تقديم الانتخابات، و"هذه المرة لن يشفع له شيء، حتى لو حقق اولمرت السلام الشامل مع سورية ومع ايران أيضاً... لقد انتهت القصة. ذاهبون إلى انتخابات". وكتب يوسي فرطر في"هآرتس"أن أولمرت بعكس مقربيه، لم يستخف بدعوة باراك له بالتنحي، وان"حواسه السياسية وتجربته الغنية والطريقة التي يقرأ فيها صورة المعركة، تبلغه بأن وقته بات محدودا، أسابيع أو ربما اشهرا معدودة، لا أكثر من ذلك... لقد أوشك أولمرت على النزول عن المسرح". وتوقع المعلق أن يحصل ذلك قبل الحسم القضائي"فالخيول السياسية ستسبق الخيول القضائية". وتابع ان الانتخابات هي مسألة نصف عام حتى ثمانية اشهر في أقصى حد. 70 في المئة يطالبون اولمرت بالاستقالة في غضون ذلك، أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة"اسرائيل هيوم"المجانية والمحسوبة على الأوساط الداعمة لنتانياهو واليمين، ان 70 في المئة من الاسرائيليين يرون وجوب أن يستقيل اولمرت في مقابل 17 في المئة يرون ان على اولمرت البقاء في منصبه، و13 في المئة لا رأي لهم. ودعم 62 في المئة من المستطلعين إجراء انتخابات مبكرة في مقابل تأييد 25 في المئة تشكيل حكومة جديدة من دون انتخابات جديدة. "لكلٍ تالانسكي خاصته" إلى ذلك، تساءل بعض المراقبين ان كانت هناك خلفية سياسية"خفية"لقضية اولمرت الأخيرة، خصوصاً في أعقاب تصريحات أحد مستشاري رئيس الحكومة بأن القادة الإسرائيليين اعتادوا منذ سنوات تلقي أموال تبرعات من متمولين يهود أميركيين لدعم حملاتهم الانتخابية، أو كما قال، إنه لكل من الشخصيات القيادية في إسرائيل"تالانسكي الخاص به". ويطرح مراقبون تساؤلات عن توقيت تفجير"قضية تالانسكي"وعلاقتها بالمفاوضات التي يجريها اولمرت مع السلطة الفلسطينية بهدف التوصل إلى اتفاق إطار في شأن الحل الدائم للصراع يتجاوب ورؤية بوش القائمة على حل دولتين لشعبين، كما يطرحون تساؤلاً عن صمت تالانسكي 15 عاماً نقل خلالها لرئيس الحكومة مبلغاً متواضعاً مقارنة بأضعاف منها تلقاها عدد من أسلافه. ويرى احد المراقبين ان ثمة علاقة قوية بين"تفجير"هذه القضية و"خيبة أمل"اليمين اليهودي الأميركي من رئيس الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن خسر الحرب الثانية على لبنان، وعلى خلفية إجرائه مفاوضات مع الفلسطينيين ستؤدي في كل الأحوال إلى نسف حلم اليمين الإسرائيلي واللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة بأرض إسرائيل الكاملة، وهو الحلم الذي تغنى به تالانسكي خلال إفادته أمام الشرطة قبل أسبوع.