سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت في اليومين الأخيرين إلى بث الانطباع للإسرائيليين بأنه يتابع تصريف شؤون الدولة العبرية بشكل عادي رغم الظلال الكثيفة التي ألقتها شبهات الفساد الجديدة المنسوبة إليه منذ أيام، وواصلت وسائل الإعلام العبرية تناولها أمس في صدر عناوينها. وبمقدور اولمرت أن يستمد التشجيع في"معركة بقائه السياسي"من الدعوة العلنية التي أطلقها عدد من أقطاب حزبه"كديما"أمس للتريث قبل إطلاق الأحكام على رئيس الحكومة، مرددين"ان اولمرت بريء طالما لم تثبت إدانته". ولم يتردد عدد منهم في توجيه الانتقادات اللاسعة للشرطة"التي هيأت أجواء وكأن رئيس الحكومة ضبط متلبساً في جريمة كبيرة مثل القتل، أو أننا بصدد رجل مافيا". ليفني صامتة ويرى مراقبون أن وقوف أقطاب"كديما"، باستثناء وزيرة الخارجية تسيبي ليفني الطامحة للوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة والتي تواصل صمتها، إلى جانب اولمرت يمنحه الهدوء الذي يرجوه للتفرغ لمعركته القضائية، ويجنّبه معارك داخلية توقعها معظم المعلقين في الشؤون الحزبية. وبدا واضحاً أن إعلان اولمرت مساء الخميس الماضي أنه سيقدم استقالته في حال قررت النيابة العامة توجيه لائحة اتهام، حقق المراد وقطع الطريق على خصومه داخل"كديما"لمطالبته بالاستقالة أو التفكير بالتمرد عليه. كما ساهم هذا الإعلان في توفير الذريعة لزعيم حزب"العمل"وزير الدفاع ايهود باراك لتبرير بقائه في الائتلاف الحكومي، بينما عزت أوساط صحافية صمت الشريك الثالث،"شاس"، إلى عدم رغبة قيادة الحركة الدينية المتزمتة في رؤية ليفني تجلس على كرسي رئيس الحكومة عقاباً على مواقفها من قضايا دينية تهم الحركة و"تسرّعها في انجاز اتفاق مع الفلسطينيين". ولمح بعض المعلقين إلى احتمال أن يكون اولمرت"اشترى"صمت أقطاب"شاس"التي طالما حددت مواقفها وفقاً للموازنات الحكومية لمؤسساتها، في مقابل وعود مثل تكثيف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً في القدس، أو زيادة المخصصات الحكومية لمؤسسات الحركة الدينية. من جهتها، تبدو الشرطة، بدعم النيابة العامة، في سباق مع الزمن في سعيها إلى الحصول على قرائن متينة تدين اولمرت بتلقي الرشوة من رجل الأعمال الأميركي موشيه تالانسكي، وسط تخوف مصادر قضائية من أن تحقيق هذه المهمة قد يستغرق اشهرا"وليس أكيداً أن ينتهي إلى لائحة اتهام"، ما من شأنه أن يثير حفيظة الجمهور العام الذي انتظر أسبوعاً كاملاً لمعرفة تفاصيل القضية المثيرة الجديدة وتوقع أنها ستطيح بأولمرت عن منصبه فوراً. وتخشى الشرطة أن تنحصر الأدلة في خرق اولمرت قانون التمويل الانتخابي، وهذه مخالفة لا تحدث صدمة على المستوى القضائي والشعبي كتلك التي تخلّفها تهمة الرشوة. وأشار معلقون إلى أن إخفاق الشرطة والنيابة العامة في توفير أدلة تدين اولمرت سيمس مساً خطيراً بثقة الإسرائيليين بالجهاز القضائي وبسلطة فرض القانون، وهي ثقة اهتزت بعنف في السنوات الأخيرة بعد عقود اعتبر فيها الإسرائيليون المؤسسة القضائية"بقرة مقدسة"ممنوعاً الاقتراب منها. إفادة تالانسكي إلى ذلك، أفادت صحيفة"هآرتس"ان رجل الأعمال الأميركي سيقول في إفادته للشرطة إنه لم يعط رئيس الحكومة الإسرائيلية أي رشوة، ما يدفع المحققين إلى إقناع صديق اولمرت الضالع في كل ملفات التحقيق مع رئيس الحكومة اوري ميسر بتقديم القرائن التي تدين اولمرت. ومن المتوقع أن يتراجع الاهتمام الشعبي والإعلامي بالقضية بعد إعلان الشرطة أنها لا تعتزم التحقيق مع رئيس الحكومة هذا الاسبوع نظراً لانشغالاته الكثيرة واستقباله عدداً من زعماء العالم، وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش، الذين سيزورون إسرائيل للمشاركة في"مؤتمر الرؤساء"الذي ينظمه الرئيس شمعون بيريز لمناسبة احتفالات إسرائيل بمرور 60 عاماً على تأسيسها. وتساهم زيارة مدير الاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان إسرائيل اليوم لبحث المبادرة المصرية للتهدئة، كما الوضع في لبنان"الذي تراقبه إسرائيل عن كثب"، كما قال اولمرت أمس، في صرف أبصار الإعلام عن ورطات اولمرت الشخصية إلى اتجاهات"أكثر جدية وأهمية"، كما تقول أوساط رئيس الحكومة الذي تباهى بحسب مقربيه بقدرته على مواجهة الشدائد، مضيفا انها"صفة يستوجب توافرها لدى من يدير شؤون دولة، لا أن يتصبب عرقاً من كل قضية".