سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاشتباه في تلقيه رشوة من رجل أعمال أميركي يهودي ... ورئيس الحكومة ينفي ويتعهد الاستقالة إذا وجهت اليه لائحة اتهام . صمت في الساحة الحزبية بعد كشف الشبهات ضد أولمرت والملف الجديد يقيد يديه ومصيره معلق بالإسرائيليين
لم تُحدث الشبهات التي نسبتها الشرطة الإسرائيلية رسمياً أول من أمس إلى رئيس الحكومة ايهود اولمرت بتلقي الرشوة المالية من رجل الأعمال الأميركي اليهودي موريس موشيه تالانسكي،"تسونامي"على الساحة السياسية الداخلية كما توقعت وسائل الإعلام العبرية خلال الأسبوع الذي تكتمت فيه الشرطة على تحقيقاتها مع اولمرت وعدد من المشبوهين الآخرين، وتبدد أمل من رغب في رؤية اولمرت يغادر كرسيه خلال أيام أو أسابيع، اذ نجح اولمرت عبر تعهده الاستقالة في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده، رغم أن القانون لا يلزمه ذلك، في تجنيب أركان حزبه"كديما"وشركائه في الائتلاف الحرج من بقائهم معه، فالتزم هؤلاء الصمت ولم يجرؤ أي منهم على مطالبة اولمرت بالاستقالة. لكن رغم أن الشرطة قد تحتاج لأشهر لإثبات الشبهات المنسوبة الى رئيس الحكومة، فإن ثمة قناعة بأن الملف الجديد يكبّل يدي اولمرت في تحقيق أي تقدم جدي في المفاوضات مع الفلسطينيين. وكانت محكمة إسرائيلية سمحت في ساعة متقدمة من مساء الخميس - الجمعة برفع الحظر جزئياً عن الشبهات التي تنسبها الشرطة والنيابة العامة لرئيس الحكومة في الملف الجنائي الخامس المفتوح ضده، ليتبين أنه مشتبه رسمياً بالحصول على مئات آلاف الدولارات نقدا كرشوة من تالانسكي. الملف الأمني الجديد وأعلن مكتب المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز أن الشرطة أجرت الأسبوع الماضي تحقيقاً مع رئيس الحكومة"للاشتباه بتلقيه أموالا بصورة غير قانونية". وقال معلقون في الشؤون القضائية إن هذا الإعلان يعني أن الملف يحوي سلسلة مخالفات اقترفها المشتبه به، أخطرها تلقي الرشوة. ونقلت"يديعوت أحرونوت"عن أوساط ضالعة في التحقيق قولها إن الحديث يدور عن"سلة مخالفات"تتيح، في حال تقرر تقديم لائحة اتهام، اختيار المخالفة العينية الأكثر ملاءمة للأدلة. وتابعت أن الشبهات تتعلق بالحصول على تبرعات غير قانونية أو بالغش وخيانة الأمانة والحصول على رشوة وتلقي هدايا، رغم أن قانون التقادم قد يسري على المخالفات الأقل خطورة. واللافت أن بداية القضية تعود إلى تسعينات القرن الماضي حين بدأ المليونير الأميركي بالتبرع لمشاريع كثيرة في القدس التي كان اولمرت على رأس مجلسها البلدي، واستمر دعمه لاولمرت لسنوات طويلة حتى عام 2003 حين كان يشغل اولمرت منصب وزير التجارة والصناعة. وتوصلت الشرطة عبر تحقيقاتها السابقة مع اولمرت ومديرة مكتبه شولا زاكين وشريكه السابق في مكتب المحاماة اوري ميسر، المشبوهين بالضلوع في ملفات فساد أخرى، إلى طرف الخيط للملف الجديد، وتحديداً ضلوع زاكين في تحويلات الأموال من المليونير وتصرف ميسر بها. وانتظرت الشرطة نحو عام حتى قررت طرق الملف الجديد بقيامها قبل عشرة أيام باستجواب المليونير لدى زيارته إسرائيل، ثم التحقيق مع اولمرت الجمعة الماضي. ولمح تالانسكي الذي تعاون مع المحققين بشكل كامل، إلى أن هدفه من الأموال التي حوّلها كان دعم مشاريع كان أولمرت ضالعا فيها، وأنه تم جمع هذه الأموال على شكل تبرعات، وأن كل ذلك جرى بموجب القانون. وتوصلت الشرطة خلال تحقيقاتها مع ضالعين آخرين في الملف وضبطها مستندات كثيرة، إلى أن اولمرت كان ضالعا فعلاً في مشاريع تم تمويلها بواسطة تالانسكي، كما تبين لها أن الأخير جمع أموالا طوال السنوات الماضية لتمويل حملات انتخابية لاولمرت، ما عزز لديها شبهات حصول اولمرت على أموال بصورة غير قانونية وعدم تقديم تقارير منتظمة حولها. وتشتبه الشرطة بأن أولمرت الذي تمتع خلال الزيارات الكثيرة التي قام بها للولايات المتحدة بدعوة من المليونير وبتمويله بمستوى حياة عال وتلقى مصاريف زياراته من دون تقديم بيانات عنها، حصل في إحدى هذه الزيارات على بطاقة اعتماد من تالانسكي. كما دلت التحقيقات مع المليونير أن الأخير أعطى أولمرت قرضاً شخصياً لسد ديْن تراكم عليه في إحدى حملاته الانتخابية ولم يسدده حتى اليوم. وأكد مقربون من اولمرت على القرض، ووصفوه بأنه"قرض بين أصدقاء"وأنه لا توجد مشكلة قانونية في ذلك. ورغم كل هذه الشبهات لا تزال الشرطة تبحث عن جواب شاف لسؤالها: ما الذي أعطاه أولمرت في مقابل كل ذلك؟، خصوصاً بعد ان نفى المليونير حصوله على أي مقابل. وتأمل الشرطة في أن تنجح في ايجاد الرد على هذا السؤال من أحد الضالعين في القضية، خصوصاً المحامي ميسر الذي تربطه برئيس الحكومة علاقات صداقة تمتد على ثلاثة عقود من الزمن. لكن تدهور وضعه الاقتصادي في السنوات الأخيرة وتعرضه لحادث طرق"غامض"، وسط تكهنات بأنه حاول الانتحار، دفع بكثيرين إلى الاعتقاد بأنه هو الذي ورّط اولمرت وزاكين، وأن الشرطة قد تقنعه بأن يكون"شاهد ملك". رواية أولمرت من جهته، نفى اولمرت في مؤتمر صحافي عقده بعد دقائق من رفع حظر النشر عن تفاصيل القضية، الشبهات المنسوبة إليه، وفي مقدمها الحصول على رشوة، وأكد أنه في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده، فإنه سيقدم استقالته فورا، على رغم أن القانون لا يلزمه ذلك. وقال:"أنظر في عيني كل واحد منكم، وأقول بصدق: لم أحصل أبدا على رشوة، ولم آخذ أبداً قرشاً لجيبي الخاص". وأضاف:"آمل وأنا مقتنع بأننا لن نصل إلى مرحلة تقديم لائحة اتهام ضدي، لكن إذا تقرر ذلك لا سمح الله، فلن أكون بحاجة لحض أو عظة من أحد لأستقيل". وأقر اولمرت بأن تالانسكي ساعده فعلاً في جمع تبرعات في أربع حملات انتخابية بين السنوات 1993 و2002"ساعدني بعد ذلك في سد العجز المالي الناجم عن الحملات الانتخابية". وأردف أنه تم تحويل كل أموال التبرعات إلى المحامي ميسر، و"لا شك لديّ في أن المحامي ميسر أدار هذه الأموال بمهنية وبما يتلاءم مع قيود القانون". وأعرب أولمرت عن أمله في أن"تعبر العاصفة الحالية بالسرعة ذاتها التي ثارت فيها". "معركة حياته" والتقت تعليقات كبار الصحافيين في أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بدأ أمس"معركة حياته"من أجل بقائه السياسي. ورغم أن هذا المصطلح يرافق اولمرت منذ توليه رئاسة الحكومة في ظل الملفات الجنائية التي فتحتها الشرطة خلال العامين الماضيين ورافقه بقوة عشية تقرير لجنة"فينوغراد"، إلاّ أن معركته هذه المرة تبدو الأهم والأصعب في ظل أجواء عامة بأن الإسرائيليين سئموا رئيس حكومتهم، والعناوين الصاخبة التي ترافقه صباح كل يوم. ومع ذلك، فاجأت الردود على الساحة السياسية المراقبين، ولم تحدث الهزة الأرضية السياسية التي رافقت العناوين الدراماتيكية خلال هذا الأسبوع ويقين الجميع بأن التحقيق الذي أجرته الشرطة سيمكنها من تقديم لائحة اتهام سريعة، ما سيرغم رئيس الحكومة على مغادرة كرسيه. والتزم قادة"كديما"الصمت، ولم يخرج أي منهم في أي تصريح يمكن تفسيره تمرداً على زعيم الحزب. واكتفى البعض بالتحدث إلى وسائل الإعلام من دون كشف هويته، وأكثر ما قاله تلخص في أن الحزب لن يسمح لنفسه بخوض الانتخابات العامة المقبلة بقيادة اولمرت. كما لفّ الصمت سائر أركان الائتلاف الحكومي، وفي مقدمهم زعيم"العمل"وزير الدفاع ايهود باراك الذي طالبه عدد محدود من نواب حزبه بالانسحاب الفوري من حكومة"رئيسها غارق حتى عنقه بالفساد". ورمى الأمين العام للحزب ايتان كابل بالكرة إلى ملعب"كديما"ليقرر أركانه إطاحة اولمرت، وقال إن بقاء اولمرت في منصبه سيحول دون تمكنه من تصريف شؤون الدولة في المجالات كافة، وفي مقدمها ملف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين. كما جاء لافتاً صمت زعيم"ليكود"بنيامين نتانياهو، وبرر الصامتون موقفهم بوجوب انتظار قرار المستشار القضائي للحكومة في شأن تقديم لائحة اتهام من عدمه. لكن رغم أن الزلزال لم يقع، فإن عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل وأجواء انتخابات مبكرة سيميزان المرحلة المقبلة. وأشار كبير المعلقين في"يديعوت أحرونوت"ناحوم برنياع إلى أن"الشعب"قد يسبق المستشار القضائي للحكومة والمحكمة في النطق بالحكم على اولمرت بالانصراف إلى بيته،"ليس بسبب قضية تالانسكي التي يبدو أن حجمها أصغر بكثير من حجم الاشاعات، إنما بسبب التأثير المتراكم لسلسلة التحقيقات ضده". وفي قراءته الساحة الحزبية في الوقت الراهن، رأى المعلق أن"كرسي أولمرت مستقر في هذه الأثناء"حيال حقيقة أن شركاءه في الائتلاف شاس والمتقاعدون والعمل لا يعتزمون الانسحاب من الحكومة، محذراً من أن"الانقلاب"قد يأتي من داخل"كديما". من جهته، كتب معلق الشؤون الحزبية في"هآرتس"يوسي فرطر أن ظهور أولمرت في المؤتمر الصحافي ليل أول من أمس"يدل على أنه لا يستسلم بل يعتزم أن يحارب على مستقبله ويخوض معركة حياته". وأضاف أن تعهد اولمرت الاستقالة في حال قدم المستشار القضائي لائحة اتهام كان موجهاً لحليفه الرئيس في الائتلاف الحكومي زعيم"العمل"باراك،"لأنه بذلك منحه مبرراً للبقاء في الائتلاف"، كما أنه كان موجهاً الى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني،"فاستقالة أولمرت هي استقالة الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة. وهكذا يكون أغلق باب مكتب رئيس الحكومة أمام ليفني". واستبعد المعلق أن تشهد الأسابيع المقبلة تحركات سياسية ذات شأن في الساحة السياسية،"فباراك ليس مسرعا إلى أي مكان... وقريباً سنشاهد جورج بوش ونيكولا ساركوزي وغوردون براون وسيلفيو برلوسكوني وأيضا محققي الشرطة يدخلون إلى مقر رئيس الحكومة... إنه نوع من الحياة العادية في إسرائيل في سنوات الألفين".