يبدو أن الإعلان التاريخي عن استئناف مفاوضات السلام مع دمشق ليس مناورة لإنقاذ أولمرت من محنة تهمته بالفساد. وقبل عام، ابتدأت وزارة الدفاع الإسرائيلية المفاوضات السياسية والاستراتيجية مع سورية. ووراء الإعلان عن المفاوضات، وتوقيت نشر الخبر، وزير الدفاع، ايهود باراك، ورئيس الأركان، غابي أشكينازي. ويؤيد كبار المسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية الخطوة. ومنذ نهاية 2007، أيقنت وزارة الدفاع أن المواجهة العسكرية مع سورية غير مجدية، حتى لو انتصرت إسرائيل فيها، أو أنشأت شبكة صواريخ اعتراضية، وطورت قدرات سلاح الجو، وحسّنت أداء القوات البرية. ومن المتوقع أن تتكبد الجبهة الخلفية الإسرائيلية ثمناً باهظاً في حال اندلعت الحرب مع سورية. وقد يفضي الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية الى اندلاع مواجهة سورية - لبنانية مع إسرائيل، في حين أن إسرائيل لا تملك بَعد وسائل صد آلاف الصواريخ الباليستية والقذائف، على اختلاف أنواعها، التي في وسع سورية توجيهها الى أنحاء إسرائيل. ولكن هذه المخاطر لم تحمل إسرائيل على إعلان بدء مفاوضات السلام مع سورية، بل حملها اقتراب احتمال الحسم العسكري في غزة. فوزارة الدفاع الإسرائيلية تشكك في قدرة مصر على التوصل الى وقف إطلاق نار موقت مع"حماس"، وغيرها من المنظمات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة. وإذا نجحت المساعي المصرية، وأُعلن وقف إطلاق النار، فلن تكتب حياة مديدة للهدنة، على ما تتوقع وزارة الدفاع. فيضطر الجيش الإسرائيلي بعد أسابيع قليلة على إعلان وقف إطلاق النار، أو أشهر، الى شن عملية عسكرية كبيرة. وحين يشارف الجيش الإسرائيلي القضاء على"حماس"، يُحتمل أن تطلب إيران من سورية و?"حزب الله"مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة، والتلويح باندلاع مواجهة اقليمية على حدود اسرائيل الشمالية. وإذ ذاك يضطر الجيش الاسرائيلي الى تشتيت جهوده على جبهتين، وقبول وقف اطلاق النار في غزة، قبل بلوغ أهدافه العسكرية. وعلينا احتساب تحرك الشارع العربي والإسلامي ضدنا جراء التقارير التحريضية التي تبثها قناة"الجزيرة"وغيرها من المحطات الفضائية العربية. والى الضغوط الإيرانية، من المتوقع ان تواجه دمشق ضغوطاً داخلية وعربية. وترى إسرائيل أن الرئيس السوري بشار الأسد، وقيادته، لا يرغبان في الدخول في مواجهة مدمرة مع إسرائيل، في حين أن إسرائيل تحبذ الامتناع عن مثل هذه المواجهة. وشأن إسرائيل، تتسلح سورية، وتبرم صفقات سلاح كبيرة مع روسيا. فهي تعد العدة للرد على هجوم إسرائيلي جوي وبري. ومن المتوقع أن تنهي سورية استعداداتها العسكرية بعد عامين. ومن مصلحة سورية تجنب الدخول في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي. وحريّ بنا أن نثبت لسورية مشروعية عربية ودولية تقيدها وتحول بينها وبين التحرك في غزة. وشأن المفاوضات الإسرائيلية مع سورية إضفاء مشروعية على حكم الرئيس الأسد تلزمه الإقرار بالضوابط الدولية. ولا يستطيع"حزب الله"وإيران لوم سورية على رغبتها في انتهاز فرصة استرجاع الجولان، والإحجام عن تبديدها من طريق مساعدة مجموعة من الثوار المتطرفين السنّة المسيطرين على غزة. ومن المتوقع ألا تتوسل سورية العنف والقوة لكبح"حزب الله"، في حال قرر نصرة غزة ومساعدتها عسكرياً. ولكن السوريين يدركون أن من العسير عليهم الوقوف موقف المتفرج، في حال فتح"حزب الله"النار على إسرائيل. وقد يطلب السوريون من حسن نصر الله الامتناع من مغامرة متهورة قد تستتبع رداً اسرائيلياً عسكرياً على لبنان يطيح انتصارات"حزب الله"السياسية الكبيرة في الداخل اللبناني. عن رون بن يشاي، "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، 24/5/2008