ليس من قبيل المبالغة أن نشير إلى المساحة الزمنية الكبرى التي يحتلّها مجموعة السياسيين المحترفين في غير بلد عربي، وبالذات في لبنان، والتي طغت ومنذ وقت طويل على أي مسلسلات درامية محلية وعربية، مترجمة ومدبلجة على السواء. هؤلاء السياسيون باتوا جزءاً دائماً ومتكرّر الظهور في عدد لا يحصى من الفضائيات العربية إلى درجة دفعت كثراً من المشاهدين للتساؤل عن الكيفية التي يتمكنون خلالها من توفير الوقت الكافي للتصريحات والمقابلات والمؤتمرات الصحافية المباشرة والمسجّلة. نشير إلى هذه الفئة من دون أن نغفل فئة أخرى ترتبط بها ولو أحياناً من موقع النقيض المعادي: المعلّقون والمحلّلون الذين يبدأ دورهم بعد غياب السياسيين مباشرة للتعليق على تصريحاتهم ومحاولة قراءة ما بين السطور، ثم تقديم استخلاصات ترشد المشاهد إلى"حقيقة"ما يجري والتوقعات المرتقبة في المراحل المقبلة0 هي لحظة سياسية تلفزيونية بامتياز، ولأنها كذلك تفترض إعلاماً تلفزيونياً من قماشة الممارسة السياسية التي يتعامل معها ويحاول فهمها وتفسيرها. هنا تسقط الممارسة التلفزيونية العربية ? غالباً ? في التبسيط والانحياز الفج من دون الالتفات كثيراً إلى منطق المهنية واستحقاقات الموضوعية وما تفترضه هذه وتلك من قيم وتقاليد عمل لا يجوز التنازل عنها أو التهاون بها تحت أية ظروف أو ضغوط. الإعلام التلفزيوني العربي لا يبدو في صورته الراهنة قد استفاد من تجاربه السابقة، خصوصاً خلال الأزمات الكبرى والحروب التي عصفت بالمنطقة في العقد الماضي. ولعلّ تكراره للتحليلات ذاتها التي كان يتأكد فشلها وبعدها عن الحقيقة، دليل ساطع على ما نقول. لا نعني فقط التوقعات العسكرية وما قدّمه إزاءها خبراء الفضائيات العربية من توقعات، بل وأيضا التحليلات والتوقعات السياسية التي كانت بدورها تغرق في التهويل وتقفز عن الحقائق الصلدة منحازة كل مرّة إلى الرغبات والتمنيات. من شاء أمثلة حيّة يستطيع العثور على عشرات منها في التغطيات التلفزيونية للأحداث التي شهدتها العاصمة اللبنانيةبيروت وبعض المناطق الأخرى. ففي تلك التغطيات بالذات سيطرت ذهنية الانحياز إلى حدود الاصطفاف شبه الحزبي - شبه العسكري بكل ما يعنيه ذلك من فجاجة لا تطاول المفاهيم وحسب ولكن الوسائل الفنية والتقنية أيضا. إنها مدرسة اعلامية جاءت عصر البث الفضائي بخبرات الإعلام القديم حيث الحماسة لا تزال تحتل مكانها الكبير في عالم لم يعد كذلك. فهل نتوقف مرّة كي نتأمّل صورتنا في مرايانا التلفزيونية؟