هواجس كثيرة تنتاب شركات الإنتاج حين تفكر في تحقيق عمل درامي تلفزيوني عن قضية فلسطين أو عن جانب من جوانبها. وهي حتماً هواجس تتعلق بالتوزيع ومتطلبات السوق أو ما يمكن أن تسوقه القنوات الفضائية من مخاوف عن مزاج المشاهدين وطبيعة المرحلة في ما صار يشاع هذه الأيام عن أنه حالة إحباط تدفع أكثر فأكثر نحو المسلسلات البعيدة من القضايا الكبرى. كل ذلك وغيره مما يطاول السياستين المحلية والدولية وحتى الحملة على الإرهاب يكون حاضراً في حال اقتراب الدراما التلفزيونية من الشأن الفلسطيني بالذات. ولعل كثراً من النقاد والمتابعين قد توقعوا إحجاماً شاملاً من القنوات الفضائية العربية عن بث"التغريبة الفلسطينية"قبل أعوام قليلة، وهم غير ملومين في تشاؤمهم، ولكن التجربة نجحت وبصورة لافتة، بل إن "التغريبة"بثت حلقاتها من معظم القنوات الفضائية العربية على مدار السنوات التي أعقبت بثها الأول من محطة"إم بي سي"للمرة الأولى. هذه السنة عاش المشاهدون العرب أحداث المسلسل التلفزيوني"الإجتياح"الذي يتناول بالتفصيل قصة الإجتياح الإسرائيلي لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية وملحمة الصمود الفلسطيني في مخيم جنين. أي أننا مرة أخرى أمام دراما تتناول القضية الفلسطينية في صورة مباشرة وبالغة السخونة، وقد أثبتت أيضاً نجاحاً ملحوظاً دلّلت عليه المشاهدة الكثيفة طيلة ليالي شهر رمضان الفائت، ما يعني أن نجاح العمل رهن بجديته الفكرية وجمالياته الفنية أولاً وقبل أي اعتبار آخر. نضيف إلى ذلك أن دراما القضايا السياسية الكبرى تفترض وعياً حقيقياً بأهمية الإبتعاد عن اللغة والأساليب التقليدية وتقديم رؤى سياسية متطورة وخالية من الوعظ الذي ملّه المواطنون العرب فعلاً فيما لم يملّوا الفن الحقيقي أياً تكن المضامين التي يطرحها عامة وكبيرة. هي معادلة تحتاج بلا أدنى شك إلى جدية إنتاجية تذهب نحو الإرتقاء فكرياً وفنياً وتقديم إمكانات كبرى لأعمال من هذا النوع. فالمشاهد العربي لم يعد يكترث للإنتاجات الإستهلاكية تحت وهم عدالة القضية، بل العكس، إذ ينتظر لتلك القضية العادلة فناً يوازيها أو يحاول ذلك بجدية. هي حكايات نجاح تفتح أمام الدراما العربية فضاءات ظلت شبه محجوبة وراء مفاهيم مغلوطة سرعان ما اكتشف الجميع أنها بعيدة من رغبات المشاهد الذي هو هدف المنتج والفنان على حد سواء.