وقفت المغنية السورية وعد بو حسون مرتين على مسرح أوبرا الباستيل في باريس، ضمن نشاطات مهرجان"المتخيل"الذي تقيمه دار ثقافات العالم. حدث الكثير بين الوقفتين، بين عامي 2006 و2008. الحفلة الأولى كانت نقطة انطلاق حقيقية لها في مجال الغناء العربي، والثانية أتت لتكرّس موهبتها وصوتها الفريد. أحدث لقاء بوحسون بشريف خزندار، مدير معهد ثقافات العالم في باريس، النقلة الأهم في تجربتها العملية. سمعها خزندار تغني وتعزف على عودها في باريس، وتجاوز تأثير صوتها فيه مقام الإعجاب، ليصل الى ما يشبه الرعاية أو"التبني". رسم خزندار لها الطريق للتقدم في الغناء العربي، وأعانها لتمشي الخطوات الأولى. طلب من عازف العود الحلبي محمد قدري دلال ان يفعل كل ما يلزم للاهتمام بوعد وتدريبها، فاحتضنها الأخير ضمن فرقته"أورنينا"التي تضم مجموعة من أبرع العازفين في حلب، والذين عزفوا مع رموز الطرب الحلبي مثل صباح فخري وصبري المدلل. بعد تدريبات وجهد مكثفين أحيت وعد حفلتها الأولى مغنية منفردة، برفقة فرقة"أورنينا"في خان الشونة في حلب، ولاقت استحسان من سمعها هناك. وفي باريس كان شريف خزندار في الانتظار، ووعدها بإحياء حفلة ضمن مهرجان"المتخيّل". شاركت المطربة السورية عام 2006 في مهرجان أصيلة المغربي، واستقبل الجمهور غناءها بإعجاب كبير وزغردت لها النساء من على المدرجات. أعطى هذا الصدى المميز، وعد، الثقة التي تحتاجها لتواصل شق طريقها. الخوف والتردد اللذان كانا يكتنفان وقفتها في حفلتي حلب وباريس لم يعد لهما مبرر، فهي انتزعت جواز المرور من طرفي الثنائية الصعبة: لم تكن وعد تنتظر فحسب، بل كانت موهبتها ثمرة ناضجة تنتظر من يقطفها. فمنذ صغرها تربت على سماع الغناء العربي الأصيل، وتعرفت على آلة العود، وتدربت عليها، اذ كان أبوها عازف عود مهتماً بأعمال عمالقة الطرب وعلم ابنته العزف على آلته. واصلت وعد العمل والمضي خلف شغفها الأول بالغناء والعزف خلال سنوات المدرسة. وانخرطت بعدها في المعهد العالي للموسيقى، ودرست الغناء الأوبرالي، الذي لم يكن خياراً بمقدار ما هو الطريق الوحيد للدراسة الاكاديمية. والى جانب دراسة الاوبرا، اتاح لها المعهد تعميق دراستها بالعزف على العود. وقفت بعد تخرجها وقدمت اعمالاً مع الفرقة السيمفونية الوطنية، وغنت في كورال الحجرة. كانت تلك مرحلة الابتعاد عن الغناء العربي، الأمر الذي اقلق وعد خصوصاً انها كانت على علم ان من يريد الاستمرار في الغناء الاوبرالي، سيفقد صوته بعض الأشياء الموجودة في الغناء العربي الذي يحوي الكثير من الطرب والزخرفات الصوتية، وهي ليست موجودة تماماً في الغناء الاوبرالي". شاركت وعد في فرقة"التخت الشرقي النسائي"عازفة عود. وبعد سنوات من التركيز على الغناء الاوبرالي، عادت الى الغناء العربي مع مشاركتها في مسرحية"شجرة الدر"مع الممثلة السورية مها الصالح، ولعبت دور شجرة الدر. بعد كل ذلك التأهيل جاء اللقاء بشريف خزندار ليكون بمثابة موعد القطاف. وغنت بوحسون مجدداً في"مهرجان المتخيل"في حفلة حملت عنوان"احبك حبين"، تضمنت أغاني لرابعة العدوية، كانت ادتها ام كلثوم في تسجيلات نادرة، وبمشاركة عازف الناي التركي قدسي ارغونز صاحب التجربة الواسعة مع اسماء كبيرة مثل بيتر بروك وموريس بيجار، اضافة الى مشاركة المنشد التركي يونس بالسي اوغلو. لكن الحفلة الذي اعيد تقديمها أخيراً في اطار احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، لم تكن بالمستوى البارز قياساً بالإمكانات البارزة للمشاركين فيه. كانت حفلة وفق تركيبة وتوزيع لم يؤديا الى استثمار امكانات المشاركين فيه، ما ولد شعوراً بعدم الانسجام في الاداء، وانسحب ذلك على الجمهور الذي أخذ يخوض في مقارنات مع آخرين يشتغلون في مجال الغناء الصوفي. وعلى الارجح لو ارادات وعد بوحسون تقديم صوتها لمن لا يعرفها، لما اختارت حفلتها الاخيرة، التي لم تسمح له بإظهار المساحات التي يمتلكها.