في قاعة السفراء بقصر غرناطة الأندلسي، وفي الحفلة الثانية لدمشق "عاصمة الثقافة العربية 2008"، أطلقت السورية وعد بوحسون للمرة الثانية مشروعها الموسيقي الغنائي الخاص بها ، بعد رحلة قصيرة مع الغناء التراثي استمرت أقل من سنتين . ويقوم مشروع وعد الموسيقي على تلحين مقاطع من الشعر العربي القديم وغنائه بمرافقة عودها. وفي قصر الحمراء عرضت جانباً من مشروعها، وغنت من ألحانها أبياتاً شعرية لابن زيدون مطلعها يانائماً أيقظني حبه / هب لي رقاداً أيها النائم، وأبياتاً أخرى لولادة من قصيدة لها مطلعها أغار عليك من عيني ومني / ومنك ومن زمانك والمكان. وفي هذه الأبيات الشعرية، أظهرت وعد خصوصية في ألحانها. ألحان حافظت فيها على الهوية الموسيقية العربية، من دون أن تنضوي ضمن الأساليب والقوالب اللحنية القديمة المعروفة في تلحين الشعر العربي الفصيح والمقصود هنا القصيدة والموشح. فكانت ألحاناً خاصة لصوتها، راعت فيها أبعاده ومساحاته. فسمعنا انسجاماً وتوافقاً بين اللحن والأداء الغنائي والعزف على العود. وكان تلحينها للمعاني قبل المفردات والجمل، وكنا أمام آلتين موسيقيتين منسجمتين... صوتها والعود. تعمّق وتوضّح مشروع وعد في حفلتها بقصر الحمراء في غرناطة التي نقلها التلفزيون العربي السوري و تلفزيونات أوروبية عدة. هذا المشروع الذي بدأ في مهرجان فاس في المغرب السنة الماضية وخصص لجلال الدين الرومي في ذكرى مرور ثمانمئة سنة على رحيله، وغنت فيه وعد أشعاراً للراحل يقول مطلعها ياواهباً سلطان سر العالم / ياعالم السر لماذا كلمي. ومشروع وعد مستمر، وسيدخل مرحلة جديدة في مهرجان المتخيّل الذي تقيمه دار ثقافات العالم في باريس الشهر المقبل. وستغني فيه وعد من ألحانها أبياتاً من العشق الإلهي لرابعة العدوية تقول فيها أحبك حبين حب الهوى / وحباً لأنك أهل لذاك. ووعد بوحسون بهذا المشروع تكون ثاني مغنية عربية تسير في هذا الاتجاه التلحيني للشعر العربي . والأولى مغنية الأوبرا اللبنانية هبة قواس التي لحنت وغنت أبياتاً من الشعر العربي قديمه وحديثه. وما يجمع وعد وهبة أنهما استفادتا من دراستهما للغناء الأوبرالي في التلحين والغناء. بدأت وعد مسيرتها مع الغناء في آذار مارس عام 2006 في مهرجان المتخيل الباريسي. وقدمت مجموعة من الأغنيات العربية التراثية. ووعد في مشروعها الموسيقي، حققت تميزاً عن نظيراتها من خريجات المعهد العالي للموسيقى في سورية، اللواتي اقتصر نشاطهن على تقديم أغنيات عمالقة الطرب العربي مثل أم كلثوم واسمهان وليلى مراد ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش... فكانوا مجرد مؤدين. والفارق بين وعد وزميلاتها أنها اهتمت بعزفها على العود، فتدربت كثيراً وطورت عزفها عليه، حتى تمكنت منه . أما الأخريات فقد اكتفين بدراسة الغناء وممارسته دون الاهتمام بالعزف على أية آلة موسيقية. وبداية التفتت وعد إلى الغناء التراثي الذي تربت عليه منذ صغرها، فقدمته بصوتها، حتى تمكنت من أصول الغناء العربي. بعد ذلك التفتت إلى التلحين ، فأنتجت نوعاً جديداً من الغناء يحمل الجديد، من دون أن تتخلى عن الهوية الغنائية العربية. وكان العود أداة مهمة بين يديها، سواء في التلحين أو في المرافقة الموسيقية للغناء. وإضافة إلى كل ذلك فإن وعد اهتمت بالغوص في أجواء الذين لحنت لهم. فقبل أن تلحن أشعار جلال الدين الرومي قرأت مئات الصفحات عنه وعن شعره وعن طريقته الصوفية المسماة بالمولوية. وفعلت الشيء ذاته مع ابن زيدون وولادة ورابعة العدوية التي درست حياتها وشعرها وجمعت كل ما تم تلحينه من شعرها ودرسته. وبذلك تكون وعد أكثر من ملحنة ومغنية وعازفة عود . هي أيضاً باحثة في حياة الذين تلحن أشعارهم.