سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الجيش الحكومي يعلن صد هجوم للجنوبيين ويؤكد بقاءه في المنطقة المتنازع عليها ... و "الحركة الشعبية" تتهم "المؤتمر الوطني" بالإخلال بوعوده . أبيي تتحول إلى أطلال بعد معارك ضارية بين طرفي السلام السوداني
في أعنف مواجهات عسكرية بين طرفي السلام السوداني منذ توقيع اتفاق بينهما في أول العام 2005، انفجر قتال شرس بين الجيش السوداني و"الجيش الشعبي لتحرير السودان"الذي يسيطر على جنوب البلاد في منطقة أبيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين الشمال والجنوب فجر أمس. وأوقعت معركة بالأسلحة الثقيلة استمرت ست ساعات عشرات الضحايا من الطرفين بعد وقف للنار دام لمدة يومين فقط. وتبادل الطرفان المسؤولية عن ذلك، فيما تحولت أبيي الى اطلال وصارت أثراً بعد عين وغادرها سكانها نزوحاً إلى مناطق مجاورة. وتجدد القتال بعد يومين من توقيع اتفاق لإطلاق النار بين الجيش السوداني و"الجيش الشعبي"عبر لجنة عسكرية مشتركة في المنطقة وبإشراف من بعثة الأممالمتحدة في السودان، وأكد قائد قوة البعثة الأممية في أبيي رافي بادان أن القتال نشب بين الجيشين فجراً واستمر ساعات، مشيراً إلى أن احصاء الضحايا لم يكتمل بعد. وقال شهود تحدثوا إلى"الحياة"هاتفياً إن معظم المواطنين يعيشون في العراء في ظل شح حاد في المواد الغذائية، وقالوا إن المواجهات العسكرية كانت مرعبة وإنهم اضطروا الى الهرب من النيران المتبادلة بعدما أيقظتهم أصوات الدبابات والصواريخ ودوي المدافع. وأوضح مصدر عسكري فى المنطقة أن هناك أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى وخسائر فادحة لحقت بممتلكات التجار الذين اتهموا"مسلحين"بحرق متاجرهم التي سويت بالأرض. واتهم مسؤول أبيي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الدرديري محمد أحمد في مؤتمر صحافي في الخرطوم أمس"الجيش الشعبي"بقصف المدينة بالأسلحة الثقيلة لدى انسحابه إلى جنوبها بحسب قرار اللجنة العسكرية المشتركة، وقال إنه استخدم الدبابات والصواريخ والمدفعية الثقيلة ما أرعب المواطنين الذين أُحرقت منازلهم ومتاجرهم والسوق. واعتبر ذلك خرقاً سافراً لاتفاق السلام، لافتاً إلى انه الخرق الخامس للاتفاق. وطالب الدرديري"الجيش الشعبي"بسحب قواته جنوباً وعدم القيام بأي هجوم جديد على أبيي، وقال إنهم تفاجأوا بمشاركة"الجيش الشعبي"في المواجهات بصورة مباشرة، موضحاً أن"الحركة الشعبية لتحرير السودان"التي تسيطر على جنوب البلاد تسعى إلى بسط هيمنتها بالقوة على أبيي عبر ذراعها العسكرية"الجيش الشعبي"، لافتاً إلى أن الحركة اعتقلت مسؤولي حزبه في المنطقة وهما زكريا اتيم ورحمة عبدالرحمن. وتوقع أن تصدر مؤسسة الرئاسة قريباً قراراً بحل ازمة ابيي، ورأى أن القوات المشتركة من طرفي السلام التي من المقرر أن تنتشر في المنطقة لم يشتد عودها ومن الصعب أن توكل اليها مهمات صعبة مثلما يجري في أبيي. وفي الشأن ذاته، قال الناطق باسم الجيش السوداني العميد عثمان الاغبش انه جرى إخلاء ابيى من المدنيين بعد المواجهات التي شهدتها المنطقة، واستُخدِم فيها كل انواع الأسلحة الثقيلة، ما ادى الى وقوع خسائر كبيرة من الطرفين، موضحاً أن قتالاً دار أمام مقر البعثة الدولية لحفظ السلام في المنطقة قتل خلاله ضابط في الجيش السوداني. وأفاد مسؤول عسكري في الخرطوم أن الجيش السوداني تمكن من رد"الجيش الشعبي"بقوة وحسم، ما اضطر المهاجمين إلى الفرار جنوب بحر العرب مخلفين وراءهم دبابتين واسلحة ثقيلة. وقال لمجموعة محدودة من الصحافيين إن الجيش سيظل في ابيي ولن ينسحب منها وسيتعامل بحسم مع"الجيش الشعبي"إذا حاول تكرار هجومه على مقر اللواء 31 المتمركز في المنطقة. لكن المشرف السياسي ل"الحركة الشعبية لتحرير السودان"على أبيي ادوارد لينو نفى أن تكون حركته تخلت عن تعهداتها الالتزام باتفاق السلام، مؤكداً أنه لولا مواقف"الحركة الشعبية"لكانت الحرب عادت منذ فترة، متهماً شركاءه في حزب المؤتمر الوطني بعدم الالتزام بالاتفاقات والعهود. أما الحاكم السابق لإقليم كردفان الذي يضم منطقة أبيي، عبدالرسول النور فاتهم قيادات سياسية من قبيلة الدينكا التي تقطن المنطقة في"الحركة الشعبية"بتنفيذ أجندة لضم أبيي الى جنوب السودان"على رغم علمهم بتبعيتها الى ولاية جنوب كردفان". وتوقع أن تفتح المواجهات الأخيرة المجال أمام التسوية الحقيقية في المنطقة خصوصاً بعد دخول مجموعات جديدة الصراع في الإقليم. وما زالت أبيي تمثل عقبة كبيرة في عملية تنفيذ اتفاق السلام، وذلك في ظل الخلاف المستفحل بين طرفي الاتفاق. ويعيش آلاف النازحين أوضاعاً إنسانية صعبة بعد فرارهم من المنطقة عقب الاشتباكات، وكانت وكالات الإغاثة العالمية بدأت توزيع الأغذية والمواد الضرورية على المواطنين لكن عودة الاشتباكات أعاقت الاستمرار في تقديم المساعدات للمتأثرين. وذكرت منسقة الاممالمتحدة للشؤون الانسانية أميرة حق أن عدد الأشخاص الذين نزحوا من المنطقة لم يحدد حتى الآن إلا أن التقديرات تشير الى انهم يتراوحون بين 30 ألفاً و50 ألفاً. وأعربت المسؤولة الدولية عن مخاوفها أن بداية موسم الامطار تحمل معها مخاوف بانتشار الملاريا والامراض الاخرى المصاحبة لفصل الامطار والتي يتعرض لها النازحون بخاصة الأطفال منهم. ودارت الاسبوع الفائت معارك في أبيي بين الجيش السوداني والمتمردين الجنوبيين السابقين دفعت بالغالبية الساحقة من سكان المنطقة الى النزوح عن ديارهم، في حين أخلت الأممالمتحدة فرقها العاملة في المنطقة. وتبادلت"الحركة الشعبية"وحزب المؤتمر الوطني الحاكم اتهامات بالمسؤولية عن تجدد الاشتباكات، وحمل الجيش الحكومي في بيان له الأحد الحركة المسؤولية عن تردي الوضع في المنطقة، واتهمها بما وصفه بالتمادي في خرق بنود اتفاق أبيي. ويرى مراقبون أن فشل الجانبين حتى الآن في الاتفاق على ترسيم الحدود وحسم تبعية أبيي أصبح من أهم جوانب الخلاف بين شريكي الحكم وهما المؤتمر الوطني و"الحركة الشعبية".