بعد اعلان استقلال كوسوفو في 17 شباط فبراير الماضي تتالت الاعترافات بالدولة الأوروبية الجديدة من اليابان الى كندا مروراً بدول الاتحاد الأوروبي التي اعترف معظمها باستقلال كوسوفو وأخذ سفراؤها يتوافدون الى العاصمة بريشتينا حيث أصبحت ترتفع أعلام هذه الدول في شوارع المدينة. ومع ان الاعلان عن هذه الدولة الجديدة استقبل باهتمام باعتبارها الدولة الاوروبية الثانية بغالبية مسلمة 95 في المئة بعد ألبانيا التي استقلت في 1912، الا أن الموقف المتحفظ من الاستقلال في العالم العربي والإسلامي أخذ يثير التساؤلات. فقد أثار الشجون الكوسوفية تصريح يانوس بوغايسكي مدير مشروع الديموقراطيات الأوروبية الجديدة، الذي يبدي فيه استغرابه من أن العداء للولايات المتحدة في العالم العربي أقوى من التضامن الاسلامي مع الشعب الكوسوفي جريدة"كوها ديتوره"عدد 22/3/2008. وفي هذا السياق نشر الباحث الكوسوفي المعروف كمال مورينا، نائب عميد كلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا، مقالة في جريدة" زيري"بعنوان"كيف يمكن التعليق على تردد العالم الإسلامي في الاعتراف باستقلال كوسوفو؟"عدد 1/4/2008. وقد حاول مورينا في هذه المقالة حشد كل الاسباب التي قد تفسر للرأي العام الكوسوفي هذا الموقف غير المتوقع للدول العربية نقص المعلومات عن كوسوفو، التواصل المحدود في السابق، الحنين الى يوغسلافيا السابقة ودورها في حركة عدم الانحياز، خوف بعض الدول العربية من تكرار النموذج الكوسوفي ضمن حدودها والاهم من هذا كله مصالح بعض الدول العربية المتزايدة مع موسكو التي تقود الآن الحملة ضد الاعتراف باستقلال كوسوفو. ومع ذلك لم تعد كل الاسئلة المطروحة تجد أجوبة شافية عن اقتصار الاعتراف بالاستقلال على عدة دول في العالم الاسلامي تركيا وماليزيا وأفغانستان وألبانيا والسنغال من دون أن تبادر دولة عربية واحدة لفتح هذا الطريق أمام غيرها. وإذا كان هذا الموقف المتحفظ أو المتردد للدول العربية لم يلفت النظر في الأيام والأسابيع الأولى، في غمرة تتالي الاعترافات من الدول الرئيسة في العالم، الا انه أصبح الآن مطروحاً وضاغطاً على المشيخة الإسلامية في كوسوفو التي تمثل المسلمين أمام الدولة. ويبدو أن قيادة المشيخة الإسلامية كانت قد وصلت الى قناعة بأن كثرة من الدول العربية والإسلامية ستعترف باستقلال كوسوفو بالاستناد الى ما كانت تسمعه من كلام من بعض الشخصيات في تلك الدول. وقد وصلت هذه القناعة الى حكومة الدولة الكوسوفية، التي بقيت تنتظر مبادرة ما من دولة عربية ما في هذا الاتجاه. وفي الواقع لقد كانت المشيخة الإسلامية في كوسوفو تتحمل طيلة السنوات الماضية بعض المواقف والممارسات على اعتبار انه سيأتي يوم تصبح فيه كوسوفو دولة مستقلة وتفتح صفحة جديدة في العلاقات بين كوسوفو والدول العربية والإسلامية. فبعد حرب 1999، التي أنهت مأساة كبيرة كادت أن تقضي على الوجود المسلم في كوسوفو تم تهجير حوالى نصف السكان خلال شهور فقط من بداية 1999، وتحولت كوسوفو بعدها الى محمية دولية بموجب قرار مجلس الأمن 1244 في انتظار البت في"الوضع النهائي"لها، بادرت الكثير من الدول الى فتح ممثليات ديبلوماسية لها في بريشتينا. وكان اللافت أن ثلاثة دول فقط من العالم الإسلامي تركيا وماليزيا وألبانيا فتحت لها ممثليات في بريشتينا، في حين ان الحضور العربي اقتصر واستمر على"جمعيات خيرية"تقدم بعض الدعم الاجتماعي وتنشغل أكثر بپ"نشر الاسلام"كما يفهمه القائمون والممولون لتلك الجمعيات. وتجدر الاشارة هنا الى أن المسلمين في كوسوفو ينتمون بغالبية ساحقة باستثناء وجود محدود للطائفة البكتاشية العلوية الى المذهب الحنفي الذي أصبح تقليداً راسخاً بعد مرور حوالى ستة قرون على اعتناق الألبان الإسلام. ولذلك فان بعض"الجمعيات الخيرية"قد شغلت نفسها باختراق هذا النسيج التقليدي للمجتمع الكوسوفي وتمويل دراسة عشرات الطلاب الكوسوفيين في الخارج للعودة الى كوسوفو لنشر"الإسلام الصحيح". ولكن المشيخة الإسلامية التي كانت تتسامح مع ممارسات كهذه في السنوات السابقة أصبحت الآن في وضع حرج أمام حكومة الدولة الجديدة، بسبب اقتصار الدول العربية لعلاقتها مع كوسوفو على"الجمعيات الخيرية"فقط، اذ ان القناعة المشتركة الآن للمشيخة الإسلامية والحكومة الكوسوفية ان كوسوفو تحتاج الى سفراء لدول عربية وليس الى دعاة لجمعيات خيرية ممولة من بعض الدول العربية. فالإسلام في كوسوفو بخير وتقوم برعايته المشيخة الإسلامية التي تعتبر مؤسسة متكاملة تغطي كل ما يحتاجه المسلمون في كوسوفو من حاجات روحية وتعليمية وثقافية. وأخيراً لا بد من القول ان كوسوفو مجتمع ديموقراطي، حيث نجد فيه الافكار والاتجاهات المختلفة وحيث تسمح فيه الشفافية لمختلف الآراء ان تصل وتناقش في الصحافة. ومن هنا فان بعض الاوساط في كوسوفو قد يناسبها موقف عربي وإسلامي كهذا، اذ انها تعتقد بأن كوسوفو هي جزء من أوروبا ومآلها الاندراج القريب في الاتحاد الأوروبي ولذلك فهي لا تعول كثيراً على الشرق والاسلام، بل انها تراهن على عودة المسلمين في كوسوفو الى"دين الأجداد"الذي يجعلهم يندمجون تماماً في الحضارة الأوروبية. وفي المقابل فان بعض الاصوات الأخرى لا تخفي ضيقها من هذا الموقف المتحفظ والمتردد للدول العربية الذي ستكون له نتائج بعيدة المدى. في مثل هذا الوضع تردّد بعض الدول العربية وتحفظ بعض الدول الأخرى سيأتي دور اسرائيل بالاعتراف في اللحظة المناسبة. فإسرائيل قالت على لسان المسؤولين انها لن تكون من أوائل الدول ولا من أواخر الدول التي تعترف بالاستقلال الكوسوفي. وبعد أن وصل عدد الدول المعترفة باستقلال كوسوفو الى حوالي الأربعين ستجد اسرائيل مصلحة كبيرة لها في استغلال المزاج الكوسوفي الجديد ازاء هذا الموقف العربي وفي مد الجسور الديبلوماسية والثقافية مع شعب مسلم في أوروبا لكي تثبت انها ليست على عداء مع المسلمين في العالم. ولذلك فإن كوسوفو بحاجة الآن الى سفارات عربية فقط وليس لكثير من السفارات تحل محل الجمعيات الخيرية التي احتكرت تمثيل العالم العربي في كوسوفو خلال العقد الماضي.