حينما تزوجت سعاد ناجي21 سنة قبل ثلاثة أعوام كانت تحمل في مخيلتها حلماً وردياً عن حياتها الزوجية التي دخلتها في وقت مبكر قياساً بقريناتها الأخريات، لكن هذا الحلم تحول إلى كابوس مفزع بعد فقدانها زوجها في انفجار مفاجئ وقع قرب المطعم الذي يعمل فيه بعد مرور قرابة عام واحد على زواجها وقبل أن يرى طفلهما الأول نور الحياة. سعاد لا تحمل مؤهلاً علمياً يساعدها في الحصول على فرصة عمل مناسبة لأنها تركت مقاعد الدراسة قبل إكمالها المرحلة الثانوية وتخلت عن الشهادة مقابل العريس الذي اشترط عليها هذا الأمر لأنه هو الآخر لم يكمل تعليمه ومن غير المعقول أن يتزوج بامرأة تفكر في إكمال تعليمها وتجرح شعوره السلطوي داخل المنزل. ولذلك لجأت إلى العمل عاملة تنظيف في إحدى المدارس القريبة من بيت عائلتها التي غادرتها وعادت إليها وهي تحمل معها طفلاً يتيماً أضاف عبئاً جديداً على كاهلها. تقول سعاد أنها تشعر بالخوف من كل محيطها لأنها سمعت أشقاءها يتحدثون قبل أيام عن عريس منتظر سيتقدم لخطبتها في الوقت الذي تفكر بالتفرغ لتربية الصغير وعدم تكرار التجربة. سعاد واحدة من نصف مليون أرملة عراقية شابة في العراق يتوحدن باللقب ويختلفن في الظروف التي يعشنها بعد فقدانهن أزواجهن. رشا عبد علي أرملة أخرى في منتصف العشرينات توجت قصة الحب التي عاشتها في الجامعة بالزواج، لكنها فقدت زوجها في حادث محزن كاد أن يودي بحياتها وحياة طفلها مهند ايضاً. تقول رشا أنها قررت وزوجها زيارة عائلته في مدينة كركوك شمال العاصمة وفي طريق خروجهم من بغداد تعرضت إحدى القوافل الأميركية التي كانت تسير أمامهم إلى هجوم مسلح فرد الرتل بإطلاق العيارات النارية بشكل عشوائي على السيارات التي تسير خلفه وأصيبت رشا التي كانت تحمل طفلها وتجلس بالقرب من زوجها بطلق ناري في ساقها فيما فارق زوجها الحياة على الفور اثر إصابته بطلق ناري في رأسه، وانضمت رشا إلى قائمة الأرامل التي بدأت تتسع عاماً بعد آخر في البلاد. وتعترف رشا بأن عملها في إحدى الدوائر الحكومية خفف الكثير من أعباء حياتها اليومية والتزامها أزاء طفلها الذي تزداد حاجاته كلما كبر. وتقول إن الأرامل الشابات اللواتي يحملن مؤهلات علمية أو شهادات جامعية لديهن فرص اكبر في الاعتماد على النفس في تنشئة أطفالهن وتلبية حاجاتهن على العكس من الأرامل اللواتي اكتفين بالتعليم المتوسط حيث غالباً ما يعتمدن على الإعانات التي تقدمها المنظمات الاجتماعية أو يضطررن إلى العمل في مهن بسيطة ذات مردود محدود. وتؤكد أن تجربتها القاسية دفعت شقيقتها إلى العزوف عن الزواج خوفاً من فقدان زوجها في المستقبل. أما ذكرى مصطفى التي فقدت زوجها في حادث خطف جماعي بعد أسبوعين من زواجهما فتقول إن حياة الأرملة من دون أطفال أفضل بكثير مما لو كانت أُماً وتؤكد أنها تشعر بحرية اكبر في التعاطي مع حياتها الجديدة لأنها لم تنجب أطفالاً من زوجها على رغم انهيار الكثير من أحلامها التي كانت تود تحقيقها بعد الزواج وتشير الى أن تفهم الأهل واحترامهم رغبة ابنتهم الأرملة يسهم في التخفيف من حدة الشعور بالفشل لدى المرأة بعد وفاة الزوج. وزيرة الدولة لشؤون المرأة أزهار الشيخلي أكدت وجود أكثر من نصف مليون أرملة عراقية من الشابات التي تنحصر أعمارهن بين 19 و30 سنة وتقول إن مسالة فقدان الزوج ليست حديثة في المجتمع العراقي وأنها بدأت منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، لكنها تفاقمت في شكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة بسبب الأحداث الأمنية التي يعيشها الشارع العراقي. وتشير الى أن أكثر من نصف الأرامل لم يكملن الدراسة الجامعية ولا يحملن مؤهلاً علمياً يساعدهن في الحصول على وظائف مناسبة، الأمر الذي يجعل منهم عائلاً على الأهل الذين غالباً ما يلجأون إلى البحث عن فرص زواج أخرى لبناتهم. وتشير إحدى الدراسات التي أجرتها وزارة التخطيط الى أن أكثر من نصف الأرامل في العراق فقدن أزواجهن خلال السنوات الخمس الماضية وان غالبية الأرامل مسؤولات عن إعالة طفل واحد إلى ثلاثة أطفال. وذكرت الدراسة أن المستوى التعليمي للنساء الأرامل يتباين بين الابتدائي والمتوسط والجامعي وان عدد الأرامل اللواتي يحملن الشهادات العليا ضئيل جداً.