جلست، زمن ورجاء وخديجة وبيداء ومثلهن ما يقرب 120 امرأة أخرى، في مكان واحد. يتشاركن وضعاً اجتماعياً واحداً، «الترمل» في أعمار شابة، العوز المادي هو السبب في طرقهن أبواب المنظمات الإنسانية التي تبنّت مشاريع تدريب على حِرف ومهن مثل الخياطة والحاسوب والتصوير والطبابة ومهن أخرى يمكن أن تفتح لهنّ باباً لتأمين عيش الكفاف لهن ولأبنائهن. زمن (23 عاماً)، وهي مسؤولة عن إعالة أربعة أطفال، أصبحوا مصدر قلق دائم لها، وهي غير قادرة على تأمين الطعام لهم، وهذا يعني أنهم عرضة للانحراف في حال لم تتمكن من السيطرة على أوضاعهم أو لمسوا تقصيراً منها في جانب ما. زمن التي انخرطت في دورة نظمها مركز تطوير وتدريب الأرامل في العراق، تقول إنها تزوجت في سن الثانية عشرة من عمرها في محافظة صلاح الدين حيث تعرّضت عائلتها لهجوم من تنظيم «القاعدة»، وقتل عشرة أفراد بينهم اثنان من إخوتها ووالدها وزوجها وزوج شقيقتها. وتضيف: «وصلت إلى مرحلة اليأس، أعتمد في عيشي على عطف بعض الجيران عليّ وعلى اولادي الأيتام، وأسكن في بيوت العشوائيات التي نشأت بالتجاوز على أملاك الدولة». رجاء، التي لم يتجاوز عمرها 27 عاماً، تقول: «فقدت زوجي في أحداث بغداد الطائفية، واضطررت إلى العمل في محل لبيع الملابس النسائية بعدما تنصلت عائلتي من إعالتي». وتضيف: «جميع العائد أخصصه لدفع إيجار المنزل الذي اسكنه»، مؤكدة ان مشكلة غالبية الأرامل إنهن لا يحملن شهادات علمية، ولهذا فإن فرص العمل تكاد تكون نادرة بالنسبة اليهن. مسؤولة برنامج (اوكسفام) البريطاني في العراق اليسار أشمر تصف مشكلة الأرامل في العراق بأنها «الأكبر عالمياً»، مؤكدة ان «وعلى رغم تركيز نشاطاتنا على أرامل العراق والدعم الداخلي المقدم لهن، إلا إن المشكلة كبيرة جداً وأعدادهن في تزايد». وتضيف: «وفق الإحصاءات المتوافرة لدينا هناك ما يقرب من مليون إلى مليون ونصف مليون أرملة في العراق اغلبهن في العاصمة بغداد، لكننا نعمل على تمكين بعضهن من تحسين وضعهن عبر دورات ومشاريع صغيرة. قمنا بإعداد دراسات على نساء العراق وتبيّن ان اغلبهن واجهن وضعاً صعباً لم يتهيأن له وبخاصة تحمل عبء رعاية عائلة، كما ان الارملة لا تملك معلومات عن القوانين التي تحميها وهذه مشكلة أخرى أن يعيش فرد داخل بلده من دون معرفة قوانينه». أما مديرة مركز تطوير وتدريب الأرامل سهير الزبيدي فأكدت خلال حفلة بدء دورة تدريب الأرامل ان منظمتها تمكنت حتى الآن من تدريب 2000 أرملة على مختلف الفنون المهنية، كما عملت على مساعدة بعضهن لبدء مشاريع خاصة وصغيرة مثل تزويدهن مكينات خياطة وتأمين وظائف لبعضهن في وزارات الدولة، لكن على رغم ذلك فحلول كهذه لا تقارن بحجم المشكلة، فهناك ما يقرب المليون ونصف المليون أرملة، وإذا ما احتسبنا إعالتهن لأربعة أيتام، فهذا يعني ان هناك ستة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر، مشيرة الى ان أكثر المناطق تحوي أرامل، فهناك الانبار وديالى وبغداد وهي مناطق شهدت أحداثاً ساخنة. وحذرت من مغبة إهمال البرامج الحكومية هذه الشريحة، ما سيؤدي الى كوارث مستقبلية مثل انحراف الأيتام ودخولهم عالم الجريمة في حال عدم تلقيهم تربية كافية، خصوصاً أن غالبية الأرامل اللواتي يزرن المركز يُجمعن على أن عوائلهن سواء من جهة الزوج أو الأم تخلت عنهن. وزيرة الدولة لشؤون المرأة الدكتورة ابتهال الزيدي، قالت إن وزارة المرأة وضعت إستراتيجية وجعلت مشكلة الفقر من أولويات عملها، وفي ما يخص الأرامل هناك جهات عدة معنية بالملف مثل وزارات العمل والمالية والتربية والصحة وهي تقدم لهن خدمات، وهناك دائرة الرعاية الاجتماعية التي تُعنى بالأرامل حصراً وكانت سابقاً تابعة لوزارة العمل قبل أن تستقل إدارياً ومالياً.