توقع مراقبون أن يركز الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى تونس من 28 إلى 30 نيسان أبريل الجاري، على الملفات الاقتصادية، بهدف ضمان المحافظة على الموقع الذي يحتله بلده بوصفه الشريك الأول لتونس. وسعى الفرنسيون، في المقابل، إلى تفادي"الملفات الحساسة"التي سببت احتكاكات مع الحكومة التونسية في نهاية زيارة ساركوزي الأولى لتونس، في تموز يوليو الماضي، في إطار جولة مغاربية سريعة. وكان ساركوزي قال لصحافيين فرنسيين إنه نصح التونسيين بإطلاق الناشط الحقوقي محمد عبو وفتح حوار مع رابطة حقوق الإنسان، وهو ما تم بعد فترة قصيرة من مغادرته البلد. وأبدى الجانب التونسي عتباً لإدلائه بتلك التصريحات. وتستأثر ثلاثة ملفات كبرى بالمحادثات التي يجريها ساركوزي مع المسؤولين التونسيين، وهي ضمان تقدم الاستثمارات الفرنسية على المنافسين الأوروبيين، والمحافظة على تفوّق اللغة الفرنسية، واستقطاب النخب الجامعية التونسية عن طريق برامج جديدة للتعاون. وتجابه فرنسا منافسة اقتصادية متزايدة من شركائها الأوروبيين والأميركيين الذين يسعون إلى توسيع حضورهم في جنوب المتوسط. وقالت مصادر فرنسية إن المحادثات بين ساركوزي والرئيس زين العابدين بن علي ستتطرق إلى ملف الاتحاد من أجل المتوسط الذي تعمل فرنسا على حشد الدعم لقمته المقبلة المقررة في باريس في 13 و14 تموز يوليو المقبل. إلا أن الفرنسيين يعرفون أنهم لا يواجهون صعوبات مع تونس على هذا الصعيد من النوع الذي اعترضهم في بلدان متوسطية أخرى، كون تونس كانت من أولى العواصم التي أعطت موافقة غير مشروطة لساركوزي على مشروعه المتوسطي ليكون استكمالاً لمسار برشلونة الذي أخفق. أما في المجال الثنائي فلا يوجد تباعد بين خيارات حكومتي البلدين منذ ابتعاد الاشتراكيين عن الحكم في باريس. لكن ثمة قضايا تسمم العلاقات الثنائية وهي تتصل بسجل حقوق الإنسان والحريات وطفت على السطح في الأيام الأخيرة مع رفض السلطات التونسية السماح لوفد من الاتحاد الدولي لرابطات حقوق الإنسان مقره في باريس بزيارة تونس. ووجهت منظمات حقوقية أوروبية نداءات إلى ساركوزي لإيلاء اهتمام أكبر لمسألة حقوق الإنسان. ولوحظ أن أعضاء الوفد المرافق لساركوزي لم يُجروا خلال زيارته السابقة لتونس اتصالات مع ممثلي المنظمات الأهلية المحلية ولا مع أحزاب المعارضة، خلافاً للتقاليد التي سار عليها سلفاه الراحل فرانسوا ميتران وجاك شيراك. لكن وجود وزيرة الدولة لحقوق الإنسان راما ياد في الوفد الرسمي خلال الزيارة المقبلة ربما يشكل مؤشراً إلى ترتيب لقاءات من هذا النوع. ولم يُعرف إن كانت ياد ستلتقي وجوهاً من المجتمع المدني أم لا، لكن يبدو أن هناك اتفاقاً على السيطرة على هذه الملفات"الحساسة"كي لا تطفو على السطح. من جهة أخرى، سيُبحث خلال الزيارة أيضاً موضوع مساهمة فرنسا في بناء محطة نووية لتوليد الطاقة في تونس في أفق سنة 2020، وأفادت مصادر تونسية أن المشروع يتقدم طبقاً للإجراءات المتبعة في هذا المجال إذ سلّم التونسيون مشروع دراسة جدوى إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأجروا اتصالات مع كل من المؤسسة الفرنسية للطاقة الذرية والهيئة الكندية للطاقة الذرية لتحديد التكنولوجيات التي ستُعتمد لدى إقامة المحطة الكهرو - نووية. وفي سياق متصل، يسعى الجانبان إلى ضبط الهجرة غير المشروعة، بخاصة أن فرنسا ما زالت المقصد الأول للمهاجرين التونسيين، إذ أن نحو 6 في المئة من التونسيين مقيمون فيها بمن فيهم أكثر من 10 آلاف طالب مسجّلين في الجامعات. وكان ساركوزي قدّر في حديث أدلى به إلى صحيفة تونسية قبل زيارته الماضية، عدد التونسيين المقيمين في فرنسا بنحو 600000، ثلثاهم يحملون الجنسيّتين. وفرنسا مرشحة للبقاء مركز استقطاب للنخب الطالبية والأكاديمية التونسية في المرحلة المقبلة على رغم اشتداد المنافسة بين الجامعات الناطقة بلغة فولتير وغريمتها الناطقة بلغة شكسبير في المغرب العربي.