أثارت حادثة اغتصاب عروس السلام الإيطالية، بيبا، وقتلها في تركيا، بعد اجتيازها أوروبا في طريقها الى الشرق الأوسط، ضجة كبيرة في هذا البلد. وشعر أتراك كثر بالعار. وتبلغ، يومياً، والدةَ الشابة المغدورة عشراتُ الرسائل من أتراك يقسمون فيها أنهم ليسوا"أشراراً". وبحسب خبر أوردته صحيفة تركية، قال القاتل، عندما تناهى الى مسمعه خبر البحث عن بيبا في أثناء زيارته جيرانه، وحضوره معهم نشرة الأخبار التلفزيونية:"من المؤكد أنها اغتصبت وقتلت، ولكن من هو المجرم الذي ارتكب هذه الفعلة النكراء التي تسيء الى سمعتنا في الاتحاد الأوروبي، وماذا نقول للغرب؟". وأليس ما نُقل عن المجرم مضحكاً مبكياً؟ فالقاتل يكترث لنظرة الغرب إلينا، ولكنه لا يبالي بتلك الروح البريئة التي ازهق روحها. وإثر إلقاء القبض على القاتل المتوحش، تمسكنا بما أوتينا من قوة بقول والدة بيبا أن مثل هذه الجريمة تحصل في أي بلد كان. ونحاول أن نبرئ ضمائرنا من الذنب، ونقدم اعتذارنا الصادق الى والدة الضحية. ولكن ثمة سؤالاً محيراً يؤرقنا، وهو لماذا يفوق عدد جرائم قتل النساء واغتصابهن في تركيا نظيره في بقية بلدان العالم؟ ولماذا اغتصبت تلك الفتاة البريئة وقتلت بتركيا، على رغم عبورها دولاً أوروبية كثيرة من دون أن تواجه مشكلات أو تتعرض لمضايقات؟ وبحسب والدة بيبا، ان الأشرار موجودون في جميع أنحاء العالم. ولكنهم في بلدنا يتستر الناس عليهم ويحمونهم من العقاب. وقبل 6 اشهر، اغتصب رجل ابنته البالغة من العمر 12 عاماً. وصدر حكم مخفف بحقه. وتذرع القاضي بعذر اقبح من ذنب المجرم لتسويغ حكمه في القضية. فزعم القاضي أن الحادثة لم تؤثر في صحة الفتاة النفسية بحسب تقرير الطبيب الشرعي! واستفاد شاب خدر صديقته، وهي عارضة ازياء، واغتصبها، وصور الجريمة، ونشر الصور في العلن، من مراعاة القضاء. وخفضت العقوبة عليه بذريعة أن الضحية أقامت علاقة بالمغتصب من قبل. ويوحي الحكم المخفف في القضية هذه أن القضاء يرى الاغتصاب جزاءَ من تخولها نفسها إقامة علاقة بشاب خارج الزواج، وأن اغتصاب من لا تنهار، أو تصاب بالكآبة النفسية والاضطراب، مباح. ويفتقر هذا المنطق الى الاستقامة والعدالة. فإذا استغاثت المرأة، وطلبت النجدة في أثناء الاغتصاب، ونجح أحدهم في إنقاذها، خفضت عقوبة المجرم الى النصف. فكأن الجاني ارتكب نصف عملية اغتصاب. ونشكر الله أن قاضي الاستئناف ألغى العقوبة المشينة هذه. والى 2004، كان القانون التركي يقضي بتخفيف عقوبة القاتل دفاعاً عن شرفه. وبموجب القانون الملغى، كان الوالد الذي يقتل ابنته المغتصبة يستفيد من عقوبة مخفضة. وقبل تعديل قانون العقوبات، أخيراً، أدرج القضاء عقوبة الاغتصاب في باب الإخلال بالأخلاق العامة والاعتداء على حقوق العائلات. وهذا قانون جائر. فهو يفترض أن المرأة أمر يخص الشأن العام وعائلتها. وعلى خلاف هذا القانون، أدرج القانون الجديد جرائم الاغتصاب في باب الاعتداء على الأشخاص والأفراد. ونص بند في القانون القديم على تخفيف عقوبة المتحرش بقاصر، إذا وافق الطفل على التحرش. ولم يكن، الى وقت قريب، الاغتصاب بين الأزواج جريمة. ففي أي عالم كنا نعيش؟ واليوم، لا يمكننا الاستمرار على خداع أنفسنا، ولا يسعنا القول أن الاغتصاب جريمة شائعة في بلاد العالم. وفي تركيا، تمجد فصول التاريخ هذه الجريمة. وليس هذا الإرث اجتماعياً فحسب، بل هو إرث قانوني يشجع المغتصب على اقتراف الجريمة. وإذا لم نغير قوانيننا وطريقة تفكيرنا، فلن تتجول النساء بحرية في بلدنا، ولن يبقى أمامنا سوى أن نطلب من مثيلات بيبا أن يتفادين المرور بأرضنا وبلدنا. عن جان دوندار،"مللييت"التركية، 14/4/2008