تبدأ رواية سلمان رشدي الأخيرة "ساحرة فلورنسا" بشاب إيطالي يدخل مدينة "فتحبور سيكري" الغنية المبنية من حجر الرمل، والتي رصعت أبراجها بالعاج. يخبر أرغاليا الملك المغولي أكبر أنه قريبه عبر كارا كوز، سيدة العينين السوداوين، التي استحضرها الملك الى الوجود لفرط رغبته فيها. يمزج الكاتب الكشميري البريطاني القص التاريخي بالخرافة في روايته الصادرة عن دار كيب بعد بحث فاق ثمانين مرجعاً. كان عهد أكبر ليبيرالياً بالنسبة الى القرن السادس عشر، وحاول سليل الأتراك المسلمين الذين احتلوا الهند توحيدها، وسمح بالنقاش الحر في بلاطه. على أن حلمه بتوحيد القبائل والأعراق والأديان انتهى معه في الوقت الذي كانت أوروبا تبدأ بالتحرر من قبضة الكنيسة."لو لم يكن هناك اله، فكر الإمبراطور، كان ربما من الأسهل استنتاج ماهية الخير"وكان ممكناً للفرد أو الجماعة ممارسته بعملية"بطيئة، خرقاء، حافلة بالأخطاء". يطرح أكبر الأسئلة التي تهم الكاتب المسلم ويقول ان"وجود الله حرم البشر حق تكوين أنساقهم الأخلاقية بأنفسهم". عندما يغادر مدينته السحرية بعد جفاف بحيرتها يشعر بهزيمته في سعيه الى التسامي، ويستشرف المستقبل الإنساني الذي يفشل في النجاة من شرك الدين."لن يكون الغد ما آمل به بل مكاناً عدائياً جافاً يكره الناس فيه ويقتلون". اضطر الكاتب الى الاختباء عندما أصدرت إيران فتوى بقتله بعد صدور"الآيات الشيطانية"في 1989، ويستغرب التستر بالدين لتبرير العنف بعد أربعة قرون على ظهور حاكم مثل أكبر. ولئن اعتبر أن أيديولوجية التعدد الثقافي هبطت الى مستوى النسبية الثقافية رأى موقف رئيس أساقفة كانتربري، رأس الكنيسة الأنغليكانية، غبياً وخطيراً لاعتباره أن القانون البريطاني الموحد لا يمكن أن يسري على الجميع، وأن الشريعة يجب أن تطبق في بريطانيا. يبهر الفلورنسي أرغاليا الملك أكبر بحكاياته عن جمال كارا كوز التي تفتن الرجال الأقوياء بمن فيهم شاه الفرس المغرور الذي لا يفطن الى"استقلال جمالها الكبير الذي لا يستطيع رجل امتلاكه، والذي امتلك نفسه، ومال حيث أحب مثل الريح". ابتهج رشدي عندما اكتشف أثناء بحثه احتمال أن تكون الملكة جوداباي صنيعة خيال الملك مع احتفاظها بسلطة كبيرة في بلاطه. أحس أنه تحرر، وأن فبركة التاريخ الأشخاص تمنح الكاتب الإذن باختراعهم. "ساحرة فلورنسا"أكثر روايات رشدي صراحة جنسية، ولئن استطاعت البطلة تحويل الرجال دمى بين يديها، وكانت في السلطة مثل ملك، وفق أكبر، بقي وجودها معتمداً على إرضاء الرجال. عندما ترغب والدة أكبر في تعليم زوجته الوهمية جوداباي طريقة تحريره من أسر كارا كوز الساحرة تظهر هذه بفعل رغبته فيها وتختفي الزوجة. من شخصيات الرواية الحقيقية نيكولو ماكيافيلي الذي يحرره رشدي من سمعته السيئة، ويقصر جريمته على رصد التآمر والخداع في السياسة لا التحريض عليهما. هو أيضاً تحكمه هورموناته الجامحة ويتحول الى داعر محبط في وسط العمر، يحدق في زوجته ويسخر من تهاديها وطبطبتها. يقابل رشدي النظرة المتحاملة اليها من الخارج بمنحها حق الرد، وإذا بها جريحة، غاضبة من خياناته لكنها فخورة أيضاً بپ"عبقريته الشاكة القاتمة"وحائرة لأنه يحط من قدر نفسه باحتقار ما هو شريف وقيّم. تستلهم"ساحرة فلورنسا"كتاب"ألف ليلة وليلة"الذي تعود أصوله الى الهند وبلاد فارس على أن رشدي يكتب بنفس ما بعد حداثي. وسّع الماضي قدرته على تناول العلاقات فجعل النساء مخلوقات تستمد إحداهن قوتها من إثارتها. لم يدرك قبل البحث الذي شمل قراءة"كاما سوترا"مدى أهمية الملذات في عهد المغول الذين تعاطوا الكحول وانتشرت بينهم دور الأفيون والبغاء. أحد الأباطرة قطع جثة عدو مهزوم وأرسلها الى أنحاء الإمبراطورية ليخيف الرعية، واحتفظ بجمجمته وحولها كأساً مرصعة بالجواهر. يعبر رشدي الحدود بين الفن والحياة ويوحدهما فيمنح الزائل قوة المحسوس لاعتقاده أن"فعل الكتابة السحري"أساسي في الكتابة. أكبر"ساحر الحقيقي"وهو ينقل زوجته وعشيقته من الخيال الى الواقع بقوة رغبته. الفنان داشوانث يدخل لوحته عندما يرسم نفسه. في حفلة عربدة فلورنسية تنزل تماثيل الآلهة الرخام لتلتحم بالأجساد البشرية الدافئة. لا يتذكر اعتماده تقنية مشابهة في"تنهيدة المستنقع الأخيرة"عندما تموت الفنانة اليابانية بعد إطلاق الرصاص على لوحتها."إنها حدود ناعمة. أنعم مما نظن". يقاس رد الفعل على الرواية بذائقة القارئ الفنية، ففي حين رأتها"ذا غارديان"لامعة مدهشة قالت"صنداي تايمز"إنها أسوأ كتب رشدي، وذكرت"ذا ديلي تلغراف"إنها رواية طفولية للكبار وپ"نثر مفرح للألوان الزاهية". يفكر رشدي بالكتابة للأطفال كي يرضي ابنه الثاني ميلان الذي يبلغ العاشرة. كتب"هارون وبحر القصص"لابنه الأول ظفار الذي بلغ الثامنة والعشرين، ويفكر بجزء ثان له. انفصل عن زوجته الرابعة بادما لاكشمي، عارضة الأزياء والممثلة ومؤلفة كتب الطبخ، التي يكبرها بستة وعشرين عاماً. عندما هجرته جلس الى مكتبه ثماني ساعات يومياً لستة أسابيع وكتب ثلاث صفحات من"ساحرة فلورنسا"لكنه عثر على القصة بعد ذلك وپ"كتب الكتاب نفسه بنفسه"فأحس بمتعة فاقت تلك التي وجدها خارج مكتبه. يرى كثيرون بادما الجميلة في كارا كوز الساحرة، ويعترف رشدي بأنه أحس أن قنبلة نووية سقطت في غرفة الجلوس عندما طلبت الطلاق أول العام الماضي."كان علي كتابة الرواية على رغم منها لأن ما حدث لي مصيبة ضخمة... كنت في حال من الاضطراب عجزت معها عن العمل. زهوت بنفسي دائماً لقدرتي على الانضباط ككاتب. أحب عملي. أنهض صباحاً وأذهب الى مكتبي. خفت لأنني اعتقدت أن خسارة ذلك تعني خسارة كل شيء. أعتقد أنني قمت بأكبر فعل إرادة، بما في ذلك ما تلا الفتوى، لكي ألملم دماغي المبعثر". يحس أن الربط بين أعماله والأحداث السياسية أضر به ككاتب، ولئن تناولت روايته العلاقة بين الشرق والغرب، إضافة الى الاغتراب والهوية، يصرّ على ثبات الطبيعة البشرية ويركز على التشابه لا الاختلاف. يتمسك بليبراليته"لكنني أعتقد أننا نعيش في عالم غريب ونحتاج الى إدراك تغيره. عندما يقول مارتن آميس وأيان ماكيوان وأنا ذلك نقول إننا محافظون. لكننا لسنا كذلك."لا يوافق على كل ما يقوله آميس، لكنه علّق في 2002 على تأييد ف. س. نيبول القومية الهندوسية بعد المجازر التي استهدفت المسلمين في الهند: جعل نيبول نفسه بهذا التأييد"رفيق درب للفاشية، وألحق العار بجائزة نوبل"التي كان يومها الفائز الأخير بها. أثار رشدي الدهشة عندما قبل بلقب"سير"العام الماضي لارتباط هذا التكريم بالنظام الطبقي وماضي بريطانيا الاستعماري. لكنه يقول انه سرّ بنيله اللقب نفسه الذي حصل عليه وليم غولدنغ وف. س. نيبول وكنزلي آميس وبريتشت. كان اقترب من المؤسسة عندما وفرّت له حكومات مارغريت ثاتشر وخلفاؤها الحماية بعد الفتوى بقتله، وأعجب بپ"ذكائها الخارق"وصادق معظم عناصر الحماية.