واجه ملتقى النقد الذي نظمه نادي الرياض الأدبي أخيراً انتقادات، ووصف بپ"العشوائية" وبپ"الجهد الذي لا طائل من ورائه". فالملتقى الذي استمر ثلاثة أيام وقُدم فيه 30 بحثاً، وشارك في فعالياته باحثون ونقاد من السعودية والعرب المقيمين، مثّل انعقاده مفارقة لم تخل، في رأي البعض من سخرية. ففي الوقت الذي يتذمر كتّاب وأدباء من عدم وجود نقد فعلي يلامس جوهر النصوص الإبداعية، ويتتبع الظواهر الفنية الجديدة ويفتح لها آفاقاً رحبة، يحتفل نادي الرياض في الوقت نفسه بپ"قرن من الكتابة النقدية"، بحسب تعبير رئيس نادي الرياض الأدبي الناقد سعد البازعي. الانتقادات لم تكن فقط من الكتّاب والأدباء من خارج دائرة المشاركين في الملتقى، بل ان بعض هؤلاء ممن قدموا أوراقاً وبحوثاً، أبدوا ملاحظات وتحدثوا عن عدد من السلبيات والمآخذ، التي وقعت فيها اللجنة المنظمة. وكشفت الدراسات والأبحاث المقدمة في الملتقى، أن غالبية النقاد المشاركين يفتقدون النضج"المفاهيمي"، وتعوزهم الرؤية المنهجية المتماسكة، التي لا تمتثل لسطوة المنهج ولا تفرط فيه، وفي ضوء ذلك جاءت الأوراق التي قدمت إما في شكل تمارين مدرسية جافة وسطحية حيناً، أو يطبعها الإنشاء والانطباعية حيناً آخر. ويعتقد عدد ممن حضروا الفعاليات، أن المشاركين في ملتقى النقد، وهو ملتقى يعنى بنقد النقد، كانوا في حاجة إلى تأسيس فلسفي ونقدي متين وقدرة على التحليل، تنهض بمتطلبات المراجعة الدقيقة والفاحصة لخطاب النقد في السعودية، الخطاب الذي يفترض أن ملامحه تبلورت أو في طور التبلور. في الملتقى كان غالبية المشاركين من أساتذة الجامعات، سعوديين وعرباً مقيمين، وعدد منهم غير معروف ولم يسبق له أن قدم إسهاماً ملحوظاً، لا في تتبع الظاهرة النقدية الحديثة، ولا في تأمل التجليات الأدبية الجديدة، عبر دراسات تنشرها الدوريات الأدبية أو حتى الصحافة الثقافية اليومية، الأمر الذي ولد اعتقاداً بأن ما قرأه هؤلاء من أوراق نقدية، لا يعني انشغالهم بالمشهد النقدي والأدبي وما يعكسه من حراك، إنما يندرج ضمن مستلزمات الترقية داخل الجامعة. افتقدت أوراق هؤلاء الجامعيين ودراساتهم العمق والحيوية، والصرامة المنهجية، والانطلاق من المنهج والخروج عليه في آن. كل تلك الأمور جعلت من ملتقى النقد ساحة مفتوحة، لنقاد وأساتذة جامعات مغمورين، فيما غابت الأسماء النقدية، خصوصاً من السعودية، التي يمكن أن تقدم تنوع المشهد النقدي السعودي، وتثري الملتقى بكشوفات ورؤى نقدية جديدة. فلم يشارك في الملتقى نقاد مثل عبدالله الغذامي وسعيد السريحي ومعجب الزهراني، إضافة إلى الأسماء النقدية الشابة، التي تميزت بروح نقدية مغامرة، مثل محمد العباس ومحمد الحرز وحسين بافقيه وفاطمة الوهيبي ولمياء باعشن وعلي الشدوي وسواهم. في حفلة الافتتاح وصف وكيل وزارة الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز السبيل الملتقى بأنه"عمل مؤسسي"، وتمنى أن يركز في دورته المقبلة على فنون أدبية لها علاقة بالنقد. فيما دافع سعد البازعي عن الملتقى والهدف من تنظيمه، فقال:"إن عقد الملتقى دلالة على تطور في الوعي المعرفي والذوقي، استدعاه وصول النقد الأدبي، لا سيما في الأعوام العشرين الأخيرة إلى مستوى غير مسبوق، جعل بعض الباحثين العرب يرى أن النقد هو أهم منتجات الحداثة السعودية". لكن الناقد محمد العباس يرى أن ملتقى النقد لا يتوازى في السمعة والاستعدادات واللحظة المفترض أن يكون عليها،"بسبب عدم أخذ القائمين على الملتقى المسألة بجدية ومسؤولية. ومن يتأمل عناوين الأوراق لا يمتلك إلا أن يشعر بالخيبة نتيجة المستوى البائس، الذي من الممكن أن تنتج منه هذه العناوين الفضفاضة، التي لا تتقاطع لا مع الإبداع ولا مع النقد أصلاً، الأمر الذي يؤكد أن هذا الملتقى وما يتداعى منه أو ما يتشبه به من ملتقيات لا يعول عليها الكثير، لأنها غير ناتجة من رؤية ثقافية حقيقية". ويخشى الناقد علي فايع الألمعي أن"تتحول مثل هذه الملتقيات إلى نزهات للأكاديميين، الذين عرفوا ببعدهم الفعلي عن الساحة وهمومها". غير أن ناقداً كمبارك الخالدي يحب أن ينظر إلى الجانب الإيجابي من الملتقى، بصفته"فرصة لظهور عدد من النقاد الحقيقيين، الذين يشكو المثقفون من عدم وجودهم". على أن الملتقى، وبعيداً من الانتقادات التي صاحبته، لم يخل من أوراق مهمة، مثل ورقة التونسي حمادي صمود، - الذي كان الناقد العربي الوحيد الذي دعي من خارج السعودية - التي شخصت الخطاب النقدي السعودي وبينت إشكالاته وسلبياته، من خلال التركيز على ثلاث تجارب سعودية اعتبرها الأبرز في المشهد النقدي، وهي تجارب سعيد السريحي وعبدالله الغذامي وسعد البازعي. وقسّم صمود، الذي اعتبرت مشاركته نموذجاً للتلاقح النقدي بين النقاد العرب والسعوديين، بحثه إلى قسمين، استخلص في الأول خصائص حركة هؤلاء النقدية، ووصفها بأنها"تجربة كانت خارج السياق، ولم تظهر بالشكل الذي هيئت له من حيث تنوع المناهج". وأضاف أن النقد في السعودية"لم يكن يسعى لاكتساب مهارات تقنية لقراءة النص"، وعد ذلك بالجانب الثانوي إذا ما قيس بالأول.