تعلمت إسرائيل من المرات السابقة لوقف إمدادات الوقود عن قطاع غزة، فصورة الظلام الدامس الذي حلّ بغزة وصورة المستشفيات المتوقفة عن العمل وصورة الأطفال والشموع المضاءة... كلها عناوين إعلامية للفضائيات العالمية والصحف والإنترنت، ولم تستطع إسرائيل بكل سطوتها الإعلامية ومن ورائها الإعلام الأميركي أن تغير صورتها الاحتلالية. اتخذت إسرائيل قراراً بقتل كل شيء في غزة إلا قتل الضوء الكهرباء، فكل ما يمد به القطاع من وقود لا يعيد أي حياة الى غزة وإنما يقتلها، وكان ذلك واضحاً من خلال قرار أولمرت عندما قرر إعادة وقود الكهرباء فقط، فسأل عن وقود السيارات، فقال:"فليمشوا". إذاً نحن أمام قرار إسرائيلي متواصل بالموت البطيء لغزة، وفي الوقت نفسه أن يموت الناس جوعاً لكنهم يرون ضوء الكهرباء، عند ذلك لن تجدي كل التفاعلات الشعبية شبه اليومية في غزة ولن تجدي نداءات العارفين بواقع الحال ولن تجدي نداءات حقوق الإنسان، وسيموت القطاع ولن يعرف الناس بموته إلا في مسيرة الجنازة. أمام هذا الواقع فلنطفئ نحن ضوء غزة، ولتعد عزة الى الظلام، فلا داعي لوقود يقتلني على الضوء، فليكن عيش ولو في الظلام، لن يلتفت أحد الى أهل غزة ما دامت الأمور تسير كما هي، ولن يلتفت أحد الى غزة ما دامت الأزمة لا تشدّ، فلا عرب ولا عجم ببالهم غزة، كل القرارات التي اتخذها العرب بوقف حصار غزة كأنها عدادات أرقام لساعة الصفر. ومع كل قرار تعود الساعة الى سابق عهدها. قائل يقول:"اللي بينضرب بالعصي مش زي اللي بيعد فيها"، وأقول إذا بقيت الحال كما هي فستبقى غزة تُضرب بالعصي وسيأتي الوقت الذي لن تقدر حتى على عدها، إن لم تصل الأزمة الى عمقها الحقيقي وإن لم يُقذف الوقود الذي يقتل الآن أهل غزة، إن لم يُقذف في وجه الإسرائيليين، فلن يسمع أحد صوت غزة. ولن يسمع أحد كل أصوات الإنسان والآلات والحيوان والأرض والمياه والصرف الصحي والبطالة والفقر وكل أشكال الإذلال الإنساني... لن يسمعها أحد. العرب لن يسمعوا صوتنا إن لم تُدق آذانهم بالظلام، والعالم لن يسمع صوتنا إلا إذا لم يسمع رنين الموت في الطرقات، هذا فقط ما يمكنهم أن يسمعوه. العالم اليوم منشغل بشعلة صغيرة اسمها"شعلة الأولمبياد"، ومشاعل الحياة في غزة لا يعرفونها، فليعرفوها عندما تنطفئ. واثق معالي - كاتب فلسطيني - بريد إلكتروني