في عنوان مهني نشرته يوم الخميس الماضي جريدة "الرياض" حين قالت: "الفلسطينيون يحطمون حدود (سايكس - بيكو) ويتدفقون بعشرات الآلاف إلى مصر".. هذا العنوان الصحفي يحمل مضامين سياسية وتاريخية وكأنه يقفز بأزمة غزة إلى مربع متقدم من الصراع العربي الفلسطيني يجعل مجلس الأمن بقيادة أمريكا - إسرائيل، وبريطانيا يتعجل القرار لحل أزمة (غرفة) أو مستودع غزة.. مشاهد الصور والفلسطينيون يحطمون الجدار الفاصل بين قطاع غزة ومصر بلاشك انها أزعجت الأمريكان والإسرائيليين الذين اعتقدوا لسنوات طوال ان حصار الفلسطينيين في غرف غزة والضفة الغربية سيدفع الفلسطينيين إلى اليأس والتنازل والتسليم لإرادة المحتل لكن تحطيم جدار الحرية الجنوبي لغزة نبه الغرب المتحالف مع إسرائيل إلى احتمال تحطيم الجدار الشمالي للضفة الغربية باتجاه إسرائيل وسقوط الخط الأخضر الفاصل بين العرب والإسرائيليين.. وأيضاً بأن هناك جدراناً أخرى داخل إسرائيل وداخل حزامها الأخضر وداخل جدار الفصل العنصري هو جدار عرب إسرائيل الذين أصبحوا قنبلة بشرية وبراميل بارود داخل إسرائيل يمكن أن يحطموا جدارهم الجنوبي باتجاه اخوانهم في شمال الضفة الغربية وجميع اتجاهاتها. هذه هي المهنية الصحفية التي خرجت بها جريدة "الرياض" لتلخص روح المخاوف لدى الغرب عندما قالت: "حطموا حدود سايكس - بيكو".. التقسيم الذي جعل منا غرباً وشرقاً مزارع خلفية للمستعمر الغربي بعد أن أجهز على الامبراطورية العثمانية التي كانت تمثل حلم الخلافة الإسلامية.. المحطات الفضائية أيضاً تعاملت بمهنية مع تحطيم معابر رفح والعريش وأطالوا في الضوء الإعلامي و(فوكس) الكاميرات على الشباب وكبار السن والأمهات والأطفال وهم يندفعون إلى رفح للتزود بالخبز والحليب والزيت والأدوية وكأنها ثورة جياع وهي بالفعل ثورة جياع لشعب وجد نفسه محصوراً في صفيح زيت يقلي في حين يرى على شاشات التلفزة أعضاء مجلس الأمن ومنظمات الأممالمتحدة وهم يتجولون بأروقة المنظمة الدولية للإعداد والتدارس في صيغة القرار الدولي الذي ترضى عنه أمريكا وإسرائيل وبالمقابل الفلسطينيون يغرقون في ظلام غزة والأطفال يموتون جوعاً والمستشفيات عجزت حتى عن جثث الموت في ثلاجاتها بسبب قطع الكهرباء عن القطاع.. وبعد أن حطم الجياع في غزة حدود (سايكس - بيكو) التفت الغرب وبدأت طروحات السلاح الغزاوي وهم يعلمون جيداً أن صواريخ حماس ليست الفعل الحقيقي والمخاوف الكبرى بل ثورة جياع غزة وتحطيمهم لجدار رفح ومعابرها هي الفعل الحقيقي الذي جعل ورقة غزة والشعب الفلسطيني على طاولة البحث الدولي.