من شارع عمر الداعوق في محيط مبنى ستاركو، حيث مشاريع الإعمار تتحدى الفوضى السياسية والشلل الذي يحاصر وسط بيروت التجاري، تنطلق من الغبار صرختان، إحداهما في الهواء الطلق، مسرحها مراحيض، تندد بپ"15 سنة من الاختباء في الحمامات"وترفض العودة إلى الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990 التي تصادف ذكراها اليوم، والثانية أكاديمية فنّية، تتعقب تجليات الخطاب السياسي في اللغة البصرية، كما أنتجتها نزاعات الحرب. وفي مقابل لوحة استفزازية لكراسي حمامات بيض على مد النظر، في فكرة لندى صحناوي، تقدمها في إطار نشاط تتخلله لوحات فنية وشهادات حية رافضة للعودة إلى الحرب، يتجلّى معرض"ملامح النزاع"لزينة معاصري في صالة"بلانيت ديسكفري"المجاورة، والذي افتتح أمس ويستمر حتى الأول من أيار مايو المقبل، من العاشرة صباحاً وحتى السابعة مساء. وپ"ملامح النزاع"نظم بمشاركة عليا كرامي، وهو من إنتاج"أشكال ألوان"الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية، ويندرج في إطار المنتدى عن الممارسة الثقافية الذي يحمل اسم"أشغال داخلية". يحتوي المعرض على مجموعة مختارة من 300 ملصق صادرة عن اكثر من 30 جهة سياسية نشطت في فترة الحرب الأهلية، وتعرض تبعاً لمقاربتين تنظيميتين: الأولى وفقاً للتسلسل الزمني، والثانية بحسب المواضيع. تؤكد معاصري لپ"الحياة"أنها تعمل على هذا المشروع منذ 5 سنوات، وتقول:"بدأت في عام 2003 لاهتمامي بتاريخ تصميم الإعلانات في العالم العربي عموماً وفي لبنان خصوصاً"، مشيرة إلى العلاقة بين الفن والسياسة"إذ يلتقيان من خلال الملصق السياسي الذي شكل نوعاً من التعبير في السبعينات من القرن الماضي، فترة الفن الملتزم". وعملت كرامي، وهي مصممة غرافيك، على مساحة المعرض، وترجمت الأقسام كما ترد في كتاب معاصري عند طرحه قريباً، الى أقسام المعرض، واستكملت بناء قاعدة المعلومات وطورت غرفة الأرشيف. وتلفت كرامي إلى الاختلاف بين الملصق السياسي راهناً، وبينه في فترة الحرب الأهلية. تقول:"الاختلاف يتجلى في نواح عدة. فالتقنيات تطورت، كذلك المطبعة، والفنان كان ملتزماً ويقدم العمل مساهمة مجانية، فيما تتولى المهمة اليوم شركات إعلانات تتقاضى الملايين". وفي قسم الكرونولوجيا المصورة، جدول توضيحي للملصقات، على أساس التسلسل التاريخي لأبرز محطات الحرب، مدعوماً بمعلومات عن أبرز الفئات المتحاربة. ويكشف الجدول في مساره الأفقي بحسب السنوات، الأحداث البارزة في الحرب. أما المسار العمودي، فيسلط الضوء على الأحزاب المختلفة، متيحاً قراءة متعددة المستويات للحرب. وهناك أيضاً قسم المواضيع والدلالات الذي يمثل الحلقة المركزية للمعرض، ويتناول الانتماء وإحياء الذكرى والزعامة والشهادة. الجدير ذكره أن المشروع تطور من جمع ملصقات، بدعم من الجامعة الاميركية، ليشمل الأحزاب السياسية وما بقي منها. تقول معاصري:"زوّدتني الجامعة الأميركية حيث تدرّس مادة التصميم الغرافيكي بالملصقات التي تحتفظ بها مما علق على جدرانها في تلك الفترة، ثم أخذت ابحث عن النواقص، فقصدت مقار الأحزاب، وكثير منها لا يملك أرشيفاً بإنتاجاته الإعلانية". كما قصدت هواة جمع الملصقات وحزبيين سابقين، فخرجت بقاعدة معلومات، تشكل أساساً لدراسة أكاديمية ستصدر في كتاب بحث عن الموضوع. وتلفت معاصري إلى"وعي الأحزاب اليسارية بالملصقات"، مشيرة إلى أن التنظيمات الفلسطينية كانت أول من بدأ هذه الظاهرة في لبنان في الستينات من القرن الماضي، واستكملها اليسار بعد ذلك. ومن الفنانين الذين ساهموا في هذه الأعمال، تذكر عبودي بوجودة وعدنان شرارة وحلمي التوني وبيار صادق وكارل باسيل وبول غيراغوسيان وغيرهم. والمعرض الذي يجسد التشرذم السياسي المتمثل في العدد الهائل للأحزاب في لبنان، لم تقصد معاصري ان يتزامن مع ذكرى الحرب الأهلية والأحداث السياسية الراهنة، لافتة إلى أن التوقيت جاء لفراغها من خمس سنوات من الجهد.