نجح القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق ديفيد بترايوس في جلسات الاستماع المستمرة له أمام الكونغرس في"شراء ما يكفي من الوقت"من السلطة التشريعية للمضي في تنفيذ استراتيجية الرئيس جورج بوش في العراق حتى انتهاء الولاية الرئاسية مطلع السنة المقبلة، بعدما لوح بتحديات"شاقة وجديدة"في الساحة العراقية، تؤجل أي دعوات للانسحاب أو وضع جدول زمني الى مراحل لاحقة والرئيس الأميركي المقبل. وقد تؤدي التطورات السياسية والعسكرية في العراق الى تأخير بدء انسحاب القوات الاميركية حتى السنة 2011. وجاءت شهادتا بترايوس والسفير الأميركي في بغداد رايان كروكر أمام لجان الكونغرس ولأكثر من عشر ساعات على مدى اليومين الأخيرين،"خالية من المفاجآت"بحسب الخبراء والمراقبين، ولتكرس توجه الادارة منذ اعلان الزيادة العسكرية العام الماضي والمستندة، بحسب الباحثة في معهد كارنيغي للسلام مارينا أوتواي، الى بندين: الاول التركيز على المدى المنظور والتأكيد أن"هناك تقدماً"ولو"كان هشاً وقابلاً للانهيار". والثاني رفض جدولة الانسحاب أو حتى التلويح به لدفع الحكومة العراقية الى محاولة اقرار حل سياسي. وعلى رغم معارضة الأكثرية الديموقراطية لهذا التوجه ومحاولتها حشر بترايوس في الجلسات بأسئلة من السناتور جوزيف بايدن والمرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون حول شكل الظروف التي قد تسنح بالانسحاب، لم تلق هذه الأسئلة أي اجابات من الجنرال الأميركي الذي اكتفى بالقول إن عملية تحديد الانسحاب"ليست عملية حسابية"وهي مرتهنة للظروف على الأرض. والجديد في تقرير بترايوس هو التوصية ب"الاستمرار في سحب القوات التي أتت بها الزيادة الأمنية وسحب الكتيبة الأخيرة لهذه الزيادة في تموز يوليو المقبل"ما يعني عودة النسبة الى ما كانت عليه في 2006 أي الى 140 ألف جندي مقابل 156 ألفاً اليوم على أن تلي العملية مرحلة جمود في عدد القوات، تتم فيها"مراقبة وتقويم الوضع على فترة 45 يوماً والخروج بتوصيات أخرى طبقا للظروف على الأرض". ورأى خبراء أن توقع أي انسحاب بعد فترة"التقويم"أمر مستبعد، وأن ترجمة التوصية هي ابقاء عدد ثابت من القوات حتى مغادرة بوش البيت الأبيض. وأشار المعلق فرد كابلن في موقع"سلايت"التابع لصحيفة"واشنطن بوست"أن جلسات الاستماع والصورة التي أعطاها بترايوس وكروكر لا تبشر بخفض عدد القوات الى ما دون 140 ألفاً في الشهور التسعة المقبلة. ونوه كابلن الى أن غياب أي حل سياسي في بغداد سيصعب المهمة الأميركية وأي توقعات بالانسحاب خصوصا في ضوء التحديات الأخيرة التي برزت بعد مواجهات البصرة بين التيار الصدري والحكومة العراقية، أو في احتمال تصاعد أعمال العنف في نينوى والموصل حيث انتقل تنظيم"القاعدة"بعد نجاح الاستراتيجية الأميركية بمحاربته في محافظته ديالى والأنبار. وكان كروكر أشار في شهادته إلى أن الوضع"السياسي لا يزال غير ثابت، وأن"العنف الأخير في البصرة أدى إلى هزة في الحكومة العراقية وهو يظهر تحولاً في العلاقات بين الأطراف السياسية في العراق". وعلى رغم تقديرات كابلن أن بترايوس وكروكر في شهادتيهما نقلا الكرة الى ملعب الرئيس الأميركي المقبل سواء كان ديموقراطيا، في حال فوز هيلاري كلينتون أو باراك أوباما، أو جمهورياً في حال فوز جون ماكين، سيواجه خليفة بوش التحديات نفسها في الساحة العراقية والتي تجعل أي تغيير دراماتيكي في الاستراتيجية مستبعداً. اذ أن أي انسحاب في هذه الظروف سيؤدي الى"انفجار في الداخل العراقي، وارتفاع صاروخي في أسعار النفط، وأزمة متفاقمة للاجئين واحتمالات انتقال فتيل الحرب المذهبية الى دول مجاورة". ايران والتحديات الجديدة وكان لافتا في الموقف الأميركي القاء بترايوس الكثير من اللوم على ايران و"مجموعاتها الخاصة"في العراق باشعال المواجهات الأخيرة. ولم يلق سؤال المرشح الرئاسي باراك أوباما حول المانع من فتح حوار مباشر مع ايران حول العراق"لاستيعاب نفوذها"هناك، جواباً من بترايوس وكروكر في جلسة الثلثاء. الا أن خبراء في الملف الايراني مثل باتريك كلوسون، الذي يقدم استشارات للادارة، رأى أن"إيران بامكانها أن تلعب دوراً في تدهور الأوضاع الأمنية في بغداد، لكن ليس العكس"أي أنها"لا تستطيع أن تقوم بالدور نفسه في تحقيق السلام فيه"وأن"المراهنة على إيران للمساعدة في تحقيق استقرار وأمن العراق هي مراهنة مبالغ فيها ومفرطة التفاؤل". وفيما يتطلع المسؤولون الأميركيون الى انتخابات مجالس المحافظات قبل نهاية العام لرؤية انفراج سياسي خصوصاً في حال خسارة التيار الصدري بعض من نفوذه، برزت مخاوف داخل الادارة اليوم من تنامي موقع مقتدى الصدر بعد معارك البصرة. ويرى هؤلاء أن الصدر سيتفادى اشعال أي مواجهة مع قوات الأمن، الذي كان السبب الرئيس وراء الغائه تظاهرة المليون أول من أمس، وسيسعى الى تهدئة الوضع في الساحة الشيعية وتوظيف تنامي قوته لاكتساح انتخابات المجالس. واشارت صحيفة"كريستان ساينس مونيتور"الى"احتكار"الصدر اليوم للصوت الشيعي في العراق في ظل تراجع حضور آية الله علي السيستاني وضعف أداء الحكومة العراقية والتيارات الشيعية داخلها. وفي الجانب السني، تبرز مخاوف أميركية من عودة"القاعدة"في الشمال والعمل على هز الوضع الأمني قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد تلزم هذه التحديات أي ادارة أميركية مقبلة وبحسب تقرير جديد للجنة الدراسات العراقية بوقف أي انسحاب حتى العام 2011، وسيقابل الوجود العسكري الأميركي في المنطقة والدول المجاورة للعراق خطورة كهذه.