الأحد 2/3/2008 : الشجن دائماً نتمسك باهتزازه ونعتبره ثباتنا، لبنان. وطن إيمان أكثر مما هو وطن واقعي. نقف على أرضه الرخوة، نحسبها صخراً، نقول ها هو وطننا، مبتدانا ومنتهانا، صورته في البعيد نجمة هادية، وفي القريب يتشظى طوائف وحواراً لغير المتحاورين، لغات بابل لم تستقر في كلام جامع. هل يحتاج اللبنانيون الناجحون الى رمي وطنهم خلف ظهورهم ونسيانه الى حين، ليعملوا وينجحوا؟ هذا الوطن الشاغل يشبه دقات القلب يحصيها المريض على آلة، يحصي عمره المحدود. الشجن دائماً. اللهفة في الكلام، أي كلام. أغاني فيروز القديمة. الفتيات يتحلقن في ملعب المدرسة الثانوية. شمس ساطعة معلم غائب. في آخر الملعب يتحلقن وفي الوسط فتاة تتمايل، تغني. الفتيان من بعيد يستعرضون أنفسهم. فرح المدرسة الثانوية أول الحب. فرح الفقراء بقليلهم وغناؤهم في هدأة الغروب. لبنان يهتز. إنه فقرنا الجميل. رضانا. الاثنين 3/3/2008 :"بوسطجي"يحيى حقي الكتاب ينتظر، والجريدة نستهلكها، عدا نصوص استثنائية تنتظر بدورها مثل كتاب. تناولت الكتاب المركون منذ أسابيع يحمل الرقم 74 من سلسلة توزع مجاناً مع صحف في لبنانوالعراق والبحرين ودولة الإمارات ومصر والكويت."الكتاب للجميع"تختاره وتموّله"دار المدى"التي يملكها العراقي فخري كريم. نموذج مختلف عن المشهد الدموي لعراق يقتل فيه الأبرياء بعبثية لا مثيل لها، حتى في الكتب. كتب السلسلة سبق صدورها في غير عاصمة عربية، وقلّما يذكر المحرر اسم ناشر الطبعات السابقة ومكان النشر وتاريخه، مما يشكل إرباكاً لتوثيق الإصدارات العربية. ولكن، في الكتاب الرقم 73"جنة على نهر العاصي"ذكر، استثناء، أن الرواية المترجمة صدرت للمرة الأولى في القاهرة عن"دار الكاتب المصري"التي كان يرأسها طه حسين، ونشطت الدار، ومجلتها الشهرية التي تحمل اسمها، ما بين عامي 1945 و1948 ثم أقفلت بسبب ظروف مالكيها اليهود المصريين من عائلة هراري. بين يدي الكتاب الرقم 74"لاعب الشطرنج"، قصة طويلة لستيفان زفايغ نقلها الى العربية يحيى حقي، ليس من لغتها الأصلية الألمانية، إنما، على الأرجح، من الفرنسية إذ يشير في المقدمة الى ترجمة فرنسية للقصة نشرتها جريدة"لوموند"سنة 1972، بالتزامن مع مباراة عالمية للشطرنج بين لاعبين أميركي وروسي. لا إشارة الى الطبعة الأولى للترجمة التي يهديها يحيى حقي الى صديقيه نعيم عطية وسمير وهبي. لكن مقدمة حقي تقدم فائدة لدارسي هذا الروائي والقاص المصري الراحل الذي تميز باقتصاد في لغة السرد أكسبها جمالية لا نجد ما يقاربها إلا في لغة تلميذه إبراهيم أصلان. سرديات يحيى حقي الروائية قصص طويلة أكثر مما هي روايات معقدة البناء، ولا نستثني روايته"قنديل أم هاشم"ولا قصته الطويلة"البوسطجي"المندرجة في مجموعته"دماء وطين". ويعترف يحيى حقي في تقديمه ترجمة"لاعب الشطرنج"بتأثره بستيفان زفايغ: "لا أحسب أن ناشئاً في الأدب يصادق ستيفان زفايغ إلا أحس لتوه انه وقع أسيراً في قبضته، لا مفر له من أن يتأثر به، سعيه بعد ذلك أن يتحرر منه ليهتدي الى سليقته، لا بد له من أن يقرأ كل حرف كتبه ثم يقول هل من مزيد. إنني أتكلم عن تجربة، هكذا كان حالي ، لا أخجل من الاعتراف بأنني كتبت قصة"البوسطجي"في شبابي وقت أن وقعت أسيراً في قبضة زفايغ حين صادفته في طريقي. أسرني ما يأسر كل قارئ ولا ريب، بصفة غالبة على جميع مؤلفاته. سواء في القصة أو السيرة أو التاريخ أو الرحلات، هي الاتقاد والجيشان. اتقاد يحيل الحديد الغليظ الى كتلة شفافة من لهب، وجيشان كالنافورة المتوثبة التي لا ينضب فيضها ولا يضعف اندفاعها، متلاحقة، بعضها آخذ من بعض، وهي في كل الأوقات من قوام واحد. مذهلة قدرته على الجمع بين الاستمرار والتجدد. ... ولا أود أن أطيل بسرد سيرة زفايغ وإحصاء أعماله العديدة، لكن لا بد لي هنا أن أقول لك إن زفايغ يهودي، لم يخف عنا ديانته على خلاف أندريه موروا الذي لم نعرف أنه أندريه هيرتزوغ إلا بعد أن كتب سيرته الذاتية. وزفايغ رغم ديانته ربما بسبب ديانته يزهو بأنه منتم الى حضارة غرب أوروبا المسيحية، مؤمن بكل تقاليدها، فلما رأى هذه التقاليد تتهاوى تحت ضربات هتلر وموسوليني حكم بأن هذه الحضارة أفلست وأن حياته هو أفلست أيضاً. كل شيء إذاً زائف، فلم يبق له إلا أن يقتل نفسه فكان انتحاره آخر مأساة يؤلفها". الثلثاء 4/3/2008 : وحيدان شجر الأرز الكثير والنهر ومراكب سباق التجذيف. لن تنال الجائزة لأنك منذ الطفولة لم تحمل حجراً، وينقلونك الى الطبيب يعالج عضلاتك بعد التجربة. كثير شجر الأرز فلن تتحدث عن أرزاتك القديمة، واحدة منها على العلم والأخرى على ذيل طائرة. وهل ضروري أن تفاخر بمكان نشأتك ليستمر الحب، كأنه علاقة تحالف بين دولتين. كيف تحبها وتحسبها غريبة، وأي فتاة هناك في السهل أو الجبل أو الساحل أقرب إليك. كيف تحبها ولا تحسبها الأقرب، تشذب عنها اللغة وعادات الأهل، وتشذب مظاهرك الوطنية التي تحملها دائماً كجواز سفر. الحب لغة عابرة للأوطان، ولا وطن للجسد إلا اختيارنا، كأننا وحيدان فوق هذا الكوكب. الأربعاء 5/3/2008 : أحمد الربعي تلقيت خبر وفاة الكاتب والأكاديمي والسياسي الكويتي أحمد الربعي. ابن التجربة والمعرفة، الشجاع، الواقعي، ناقد نفسه قبل أن ينقد الآخرين، السائر بفرح الحياة الى تعزيز إيجابية الثقافة وأمل المواجهة. تعرفه من وجهه ومن لغته قبل أن تتعرف الى أفكاره: الوجه السمح يوزع من عينيه السماحة والتفهم والإيمان بأن في أعماق كل إنسان إنساناً تغطيه الأعراض الزائلة كما القش يغطي خصب الأرض فتحسبها جدباً. واللغة البسيطة المباشرة تنبئ عن صدق قائلها وشفافيته، وأنه اقتنع جيداً بالفكرة قبل أن ينقلها الى القارئ، وليس كمثل أولئك الذين يبثون أفكاراً ناقصة أو قلقة أو غير مكتملة يوزعون من خلالها أنصاف المعارف حتى إذا تبناها القرّاء يكونون على وعد اكتشاف نقصانها أو زيفها. أحمد الربعي، نموذج من الجيل المجرب المسؤول في منطقة الخليج العربي. أستاذ جامعي ونائب في مجلس الأمة ووزير للتربية، وكاتب باستمرار. استفاد وأفاد بنقد تجاربه السابقة في المعترك القومي واليساري عبر ما كان يسمى ثورة ظفار في عمان والثورة الفلسطينية في لبنان، وقبل ذلك التظاهرات الكويتية العارمة الحاملة شعارات قومية ويسارية. مارس أحمد الربعي النقد الذاتي قبل غزو الكويت فلما حصل هذا الغزو من الجار القريب والشقيق الأثير، العراق، أتى مصداقاً لنتائج نقده الذاتي التي أوصلته الى فكرة الأمل والإيجابية ودولة القانون والاعتراف العربي المتبادل كأساس للتعاون الإقليمي، فضلاً عن تطوير المجتمع وتحديثه واحترام حقوق الإنسان الأساسية. لم يمت أحمد الربعي ففي الكويت ودول مجلس التعاون والعالم العربي تستمر أفكاره وتتطور عبر أعلام كثيرين. الخميس 6/3/2008 : جدار جديد قد يحتاج الشاعر المصري عبدالعزيز موافي الى طبعة جديدة من ديوانه"الكتابة فوق الجدران"منشورات الدار ? القاهرة، وإن لم يمض على صدوره شهر واحد، لأنه سيكتب بالضرورة قصيدة جديدة في"تيمة"الديوان بعدما نسبت وكالات الأنباء الى مسؤول في أجهزة الأمن المصرية قوله"إن مصر باشرت بناء جدار على طول الحدود مع قطاع غزة لتفادي تكرار تدمير الجدار الحدودي في كانون الثاني يناير الماضي". يذهب موافي بعيداً في"تيمة"الجدار، فلا نلمس إلا ما كتب عن جدار فلسطين، وما تبقى فواصل في النفس بين مكان ومكان، بين روح وروح. الجدران لمنع الآخر من الدخول بلا استئذان، ولمنعنا من الوصول الى الآخر من دون أن نستأذن سادتنا. والجدران إعلان وإشهار كما كان العرب في الجاهلية يعلقون القصائد الطوال على جدران الكعبة. والجدران أمكنة للكتابة الممنوعة في أزقة الأحياء الشعبية وممرات المدارس والمؤسسات العامة. ومن جدرانيات عبدالعزيز موافي: - الفتى الذي كتب فوق جدران نادي سبورتنغ: "أحبك يا رشا" فتزوجت رجلاً غيره. كانت رائحة أحلامه تفوح فوق الحوائط والآن يراها مجرد كتابة شائهة فوق ماض أعزل. - قديماً كانت الحوائط تصنع التاريخ: "يسقط مشروع أيزنهاور" "تحيا الوحدة العربية" "الوداع يا جمال"... وبعد أن شاخت الحوائط أعادوا طلاءها وفوق الطلاء الجديد قرأنا: "الحجاب قبل الحساب"، فمتى يعيدون طلاءها من جديد؟