لم يعد من العائلات السنية في البصرة التي تركت المدينة عقب أحداث سامراء في شباط فبراير عام 2006 الا القليل، لكن تواتر العودة يثير التفاؤل في اوساط الاهالي على رغم ان المدينة ما زالت تشهد حوادث قتل انخفضت معدلاتها بشكل كبير أخيراً. ويحدد"الوقف السني"نسبة العائدين من اهالي البصرة المهجرين الى ديارهم ب20 في المئة كأعلى تقدير، حيث قتل العديد من أبناء السنة الذين عادوا، وازدادت مخاوفهم بعد توزيع دائرة استخبارات الشرطة في المدينة لائحة استبيان خاصة بالعائدين طالبتهم فيها بتبيان سبب العودة وعلاقتهم مع سكان المناطق التي غادروا اليها. وذكر مصدر في"الحزب الاسلامي"رفض ذكر اسمه أن حوالي 1000 شخص من السنة قتلوا في البصرة منذ سقوط النظام السابق حتى اليوم، مشيراً الى ان عام 2006 كان الاكثر دموية. ويقول المصدر ان"هذه الأرقام هي الارقام الرسمية المعلنة"مشيراً الى حوادث"لم ترد الينا أو لا نعرف عنها شيئا بسبب غياب الاحصاءات الدقيقة والوضع الامني الصعب". ومنذ أحداث سامراء صار الكثير من اهل السنة يتكتمون في اظهار مذهبهم، تساعدهم في ذلك خصوصية لهجة المدينة المعروفة لدى العراقيين، بل وصار البعض منهم يرتدي"الغتر الفراتية"المنقطة خلافا لما عرف عنهم بارتداء الغتر الحمراء والمسماة محليا ب"الزبيرية"نسبة الى مدينة الزبير ذات الغالبية السنية. وذهب بعضهم الى أبعد من ذلك، فقد غيروا اسماء شركاتهم وعلقوا اليافطات ذات الدلالة الشيعية او لا تحمل دلالة تشير الى انتماء طائفي، فاستبدلت عبارة"مستشفى الرحمة"ب"مستشفى السعدون"، حيث عرف عن عائلة السعدون أنها من العائلات السنية العريقة والمقربة من الرئيس الراحل صدام حسين. ولم يتوان احدهم عن رفع الرايات السود والملونة على سطح داره في شهر محرم عاشوراء اسوة بالعائلات الشيعية لاثبات حسن النية، وعلق آخرون الشعارات الحسينية المستوردة من ايران على شكل قماش ورسومات على واجهة منزله ليشعر جيرانه بأنه غير عدائي مع الشيعة. وكانت الكثير من البيوتات السنية المعروفة في البصرة ادعت الانتساب الى العشائر والقبائل الشيعية ودخلت تحت حمايتها، فاستُحدِثت ألقابٌ جديدة، بينها الخفاجي والسكيني والمياحي وغيرها من عشائر مناطق شمال البصرة كالعمارة والناصرية الشيعية لما عرف عن أفراد العشائر هذه من النفوذ لدى السلطات المحلية واجهزة الدولة الامنية، ولأنها أيضاً متنوعة مذهبياً في انحاء العراق. وكان شبان من اهل السنة في البصرة ذهبوا مع اقران لهم من الشيعة مشياً على الاقدام من البصرة الى كربلاء في الزيارة الاربعينية الاخيرة، فلبسوا السواد وحملوا السلاسل وشدوا على جباههم العصبة الخضراء لبيان التضامن السني - الشيعي. وفي ابي الخصيب، التي تبلغ نسبة سكانها من السنة حوالي 30 في المئة بينهم من عرف بالتشدد، شارك بعض السنة بأعمال تجارية نظراء لهم من الشيعة، كما استفادوا من مشاركتهم لبعض ابناء الشيعة من السادة الهاشميين خصوصاً، كعشيرة البطاط المتحدرة أصلاً من مناطق اهوار العمارة والتي يرأس غالبية أفرادها مراكز مهمة في البصرة كقادة للكتل والتيارات السياسية والدينية. ولم تقتصر العودة من رحلة التهجير على اهل السنة في البصرة، إذ عاد شيعة كانوا غادروا المدينة لأسباب امنية او لاستهدافهم من مسلحين مجهولين، كما عاد بعض المسيحيين والصابئة وإن بنسبة محدودة. وشكلت مدينتا الموصل والرمادي ملاذاً لمعظم اهالي البصرة من السنة، لكن معظم العائدين يتحدثون عن عدم انسجامهم في تلك المدن على رغم وحدة المذهب بسبب الاختلاف في العادات والتقاليد واللهجة.