قوبل الاعلان في موسكو رسمياً امس، عن فوز ديمتري ميدفيديف بالرئاسة الروسية ب 70 في المئة من الأصوات، بانتقادات قوية وجهها مراقبون أوروبيون لسير العملية الانتخابية ، فيما اتجه التركيز في الأوساط السياسية والإعلامية الروسية على مرحلة ما بعد الاستحقاق، لجهة ظهور"مركزين للسلطة في روسيا"، ما دفع البعض الى الحديث عن قيصرين. وبعد فرز أكثر من 99 في المئة من بطاقات الاقتراع، أكدت النتيجة التي أعلنها رئيس لجنة الانتخابات المركزية فلاديمير تشوروف، صحة توقعات مراكز استطلاع الرأي، إذ تبين أن ميدفيديف حصل على 70.2 في المئة من أصوات الناخبين، فيما تجاوزت نسبة الإقبال ال69 في المئة، وهي أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات الروسية منذ انهيار الدولة العظمى. وبذلك يكون نحو 52 مليون روسي منحوا اصواتهم للرئيس المنتخب الذي دعمه بقوة سلفه فلاديمير بوتين. عودة قوية للشيوعيين وحل الزعيم الشيوعي غينادي زيوغانوف ثانياً بأصوات أكثر من 13 مليون روسي وحقق نسبة 17.8 في المئة، معيداً للشيوعيين مكانتهم كقوة ثانية وأساسية في البلاد. وهذه أعلى نسبة يحصل عليها الحزب الشيوعي منذ العام 2003، عندما حقق تقدماً مهماً في انتخابات مجلس الدوما، أعقبته سنوات من التراجع والتفكك في صفوف الحزب. وشكلت نتائج الانتخابات ضربة قوية للزعيم القومي المتطرف فلاديمير جيرينوفسكي الذي حصل على أصوات سبعة ملايين ناخب فقط نحو تسعة في المئة، بعدما كان يتوقع"اختراقاً"كبيراً، يحوله إلى قوة مؤثرة في الساحة السياسية الروسية. وجاء تعليق جيرينوفسكي الذي يعد حليفاً تقليدياً للكرملين حاداً، إذ تحدث عن وقوع"انتهاكات كبرى"، وقال إن أصواته"سرقت". أما المرشح اليميني أندريه بوغدانوف فنال أكثر بقليل من واحد في المئة. وإضافة إلى اتهامات جيرينوفسكي، سارع زعيم الحزب الشيوعي إلى التشكيك بصحة النتائج، وقال إن هامش التجاوزات تعدى العشرين في المئة من الأصوات، في إشارة إلى تقديرات وضعها الحزب تشير إلى تمكنه من حصد نسبة تتجاوز ال 35 في المئة. وأعلن زيوغانوف أن حزبه سيلجأ إلى القضاء للبت في صحة عمليات الفرز، و"الانتهاكات"التي رافقت الحملة الدعائية وعمليات التصويت. ولم تكن المعارضة الروسية الجهة الوحيدة التي تحدثت عن انتهاكات كبيرة، اذ جاءت أقوى الانتقادات من المراقبين الأوروبيين الذين أشرفوا على العملية الانتخابية. وقال رئيس بعثة المفوضية البرلمانية الأوروبية أندريس غروس أن الانتخابات أظهرت وجود"تهديد لحرية الناخب في روسيا"، واعتبر أنها"لم تكن انتخابات رئاسة بل حملت طابع استفتاء على سياسة الكرملين خلال السنوات الثماني الماضية". وأوضح أن الاستنتاج الذي توصلت إليه مجموعته هو أن الروس منحوا أصواتهم"للاستقرار والخلافة، الأمرين اللذين ركز عليهما الرئيس بوتين عندما قدم مرشحه". وأبدى غروس قلقه لأن العملية الانتخابية"لا يمكن وصفها بأنها ديموقراطية تماماً"، وتحدث عن انتهاكات قال إن المراقبين الأوروبيين"سمعوا عنها"مثل"تعرض مديرو المصانع والمؤسسات الحكومية والتعليمية لضغوط من أجل تحقيق النتائج المطلوبة". وأعرب عن أسفه لأن السلطات الروسية"لم تأخذ في الاعتبار المسائل المقلقة التي وقعت خلال انتخابات مجلس الدوما الماضية". وقال غروس إنه"على رغم أن النتائج تعكس رغبة الناخبين لكن لم يتم استخدام معايير ديموقراطية"معرباً عن أمله بأن يقوم الرئيس الجديد الذي"سيكون لديه تفويض قوي من غالبية الروس"بتوسيع هامش الحريات. ومعلوم أن منظمة أوروبية أخرى هي مفوضية الأمن والتعاون قاطعت العملية الانتخابية في روسيا، واتهمت موسكو بأنها وضعت عراقيل أمام عملها. موسكو ردت في شكل حاد أمس على شكوك المراقبين الأوروبيين واعتبرت أن غروس"واقع تحت تأثير ضغوط وسائل الإعلام الغربية المعادية لروسيا". وشكك ناطق باسم لجنة الانتخابات الروسية ب"المعايير التي تستخدمها المفوضية الأوروبية لتقويم الانتخابات". وفي أول تعليق للرئيس المنتخب، تعهد ميدفيديف مواصلة الطريق الذي رسمه بوتين، وقال مخاطباً آلافاً تجمعوا للاحتفال في الساحة الحمراء منتصف ليل الأحد -الاثنين، أن يوم الانتخابات كان"مفصلياً في حياة الروس الذين اختاروا طريق التطور فترة طويلة مقبلة". وكان ميدفيديف ظهر فجأة أثناء الاحتفال برفقة بوتين الذي شكر مواطنيه على ثقتهم، وأكد أن الانتخابات شرعية ودستورية. مركزان للسلطة؟ واللافت أن الحشود رددت طويلاً هتافات تحية لبوتين متجاهلة الرئيس المنتخب، ما دفع البعض إلى التعليق بأن هذا واحد من المؤشرات إلى صعوبة المرحلة القادمة عندما سيكون في روسيا رئيس جديد وزعيم قوي يحظى بتأييد غير مسبوق. وانعكس ذلك في تناول الأوساط السياسية والإعلامية الروسية لمرحلة"ما بعد الاستحقاق"، إذ برز السؤال بقوة حول كيفية صناعة القرار في البلاد. وتوقعت مجلة"نيوزويك" الروسية ان تقوم"معركة"، مصورة بوتين وميدفيديف الذي وعد بتعيين سلفه رئيساً للحكومة يحركان خيوط دمية هي نسر برأسين، شعار الدولة الروسية. ورأت"ان تنظيم الانتخابات كان مسألة فنية. وسيتعين على بوتين وميدفيديف تبادل المقاعد وسيظهر مركزان للسلطة"هما الكرملين ومقر الحكومة. في الوقت ذاته، تساءلت صحيفة الاعمال"فيدوموستي""أين ستكون السلطة؟"وكتبت الصحيفة المعارضة"نوفايا غازيتا"أن أحداً لم يناقش"بطريقة جدية ما اذا كان ميدفيديف سيفوز ام لا. كان الجدال حول مسألة مختلفة تماماً: هل سيأخذ ميدفيديف السلطة من بوتين؟". من جهتها توقعت صحيفة"ار بي كاي دايلي"الاقتصادية تعديلات وزارية"اعتباراً من آذارمارس الجاري، متسائلة على لسان الخبير السياسي المعارض ستانيسلاف بلكوفسكي عن الاضطرابات التي قد تحصل خلال"شهرين بين القيصرين"قبل تنصيب الرئيس الجديد في بداية ايارمايو المقبل.