ظهر سمو الأمير الحسن بن طلال في العام 1998 في حوار تلفزيوني بجامعة نوتردام في أحد أوائل المؤتمرات الأكاديمية لإطلاق النقاش حول الدين وحل النزاعات بأسلوب مفيد. استشهد سموه في حديثه المنقول إلى المؤتمر عن بعد، وبشكل مطوّل وبشغف كبير، بكتابات أبو عمران موسى بن ميمون، الفيلسوف اليهودي البارز من العصور الوسطى، والذي كان أحد قنوات الاتصال الرئيسة بين الفلسفة العربية الأرسطوطالية الجديدة والعالم المسيحي. كانت تلك لحظة بالغة الإثارة بالنسبة لي، فقد كان المؤتمر واحداً من أوائل المؤتمرات التي حضرتها كمتحدث أكاديمي. لكن إضافة إلى ذلك شكل ابن ميمون جزءاً لا يتجزأ من طفولتي الدينية المعزولة. فقد ذهبت في طفولتي ولمدة ثلاث عشرة سنة إلى مكان يدعى مدرسة ابن ميمون، وصلّيت هناك أيام السبت والأحد. بالنسبة لسمو الأمير الحسن، وهو شخصية بارزة مرموقة في العالم العربي، يشكل اعتناق فلسفة ابن ميمون إيماءة بارزة عبر الثقافات والأديان. لقد هزني الوضع يومها لدرجة أنني شعرت بضرورة التعليق حوله أمام الاجتماع العام. ثم أُصِبتُ بالصدمة. فبعد التعبير عن مشاعري بالعرفان أمام الحضور، رد أحدهم من بين الحضور من العلماء وبأسلوب قوي قائلاً"ولكن ابن ميمون يخصّنا نحن. إنه واحد من الفلاسفة العرب العظماء في التاريخ". أعتقد أنني لو نشأت مع جروح يهودية أكثر مما أملك فعلاً يمكن تعريف"اليهودية"بعدد الجروح وعمقها لكنت شعرت بالإهانة. ولكن ذلك لم يحدث، وأصبت بدلاً من ذلك بالصدمة والإثارة، وبالتسلية نتيجة لّلهو في إعادة توجيه الهويات الذي كان يحدث في غرفة الاجتماع. كانت تلك إحدى اللحظات التي غيرت حياتي. أدرَكتُ في تلك اللحظة كنه كلمات غاندي عندما قال إنه كلما ازداد انسياب هوياتنا وتعددها كان من الأسهل للسلام والتعايش أن يزدهرا على درجة عالية من العمق والنقاء. لاحظت لاحقاً في عدد من النصوص والمقالات أن اليهود ذوي الأصول الشرق أوسطية، الذين تعود أصولهم إلى اسبانيا/الأندلس، كان يشار إليهم أحياناً من قبل العلماء، ليس فقط بالسيفارديم اليهود الشرقيين وإنما كذلك باليهود العرب. بعد مرور حوالى عقد من الزمان، صرح الأمير تركي، مستشار الأمن القومي الحالي في المملكة العربية السعودية وسفير السعودية السابق لدى أميركا، بأن الوقت قد حان لتستجيب إسرائيل لعرض جامعة الدول العربية عام 2002 للانخراط في الشرق الأوسط والتكامل معه. ولن يستطيع الإسرائيليون أن يصبحوا"اليهود العرب"في الشرق الأوسط إلا بعد انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 وبعد تحقيقهم حل الدولتين مع الفلسطينيين، كما أضاف الأمير بشكل حاسم. مضى هذا التصريح من دون أن تلاحظه معظم الصحافة المتنوّرة، وأفترض أن سبب ذلك هو أنه لم يجرِ ذكر تنظيم القاعدة ولم يُسفَك أي دم عربي أو يهودي. ولكن على مستوى أعمق، كان للدم علاقة وثيقة: فهاهو رجل نافذ في السعودية يقوم الآن بإعادة تعريف الهوية والأسرة والقبيلة والعشيرة، بعمق وبكل ما في الكلمة من معنى، بتعابير عن العلاقات الأخلاقية والسلام والعدالة. كانت هناك ردود فعل على صفحات The Forward، وهي مجلة يهودية وسطية، من قبل بعض الذين اعتبروا عرض الأمير تركي مهيناً، حيث اعتبروا أنه عرض من الغالبية في الشرق الأوسط إلى الأقلية يهدف إلى تحقيق وضع من التصنيف الطبقي والإخضاع. ولكن بعد العمل مع الأمير تركي لسنوات عديدة ضمن المنتدى الاقتصادي العالمي، رأيت أنه يعتنق توجه علاقات الأديان على أنها علاقة مساواة مطلقة. كان يتقدم باقتراح، من داخل أكثر البيئات الدينية محافظة في الشرق الأوسط، مفاده أن"العربي"هو تعبير أخلاقي عن الانتماء والعلاقة الاجتماعية، وليس تعبيراً عِرقياً أو قَبلياً. لم أسمع أحداً، مهما كان تقدمياً، يقول ذلك. لقد تمكن الأمير تركي من الوصول إلى جوهر المسألة، إلى التساؤل حول كيف يمكن لتعريف الهوية أن يبعدنا عن الحقد والخوف والحرب، وباتجاه تقبل الآخر بسرور، أو، بدلاً من ذلك، كم من الهوية تستطيع الوقوف في طريق التفاوض العقلاني الشامل. لقد تمكن من وضع تحدٍ أمام كل يهودي وعربي حول حقيقة وكنه كل منهم، ومن سيكونون في مستقبل الشرق الأوسط. * أستاذ جيمس لاو في الأديان العالمية والديبلوماسية وحل النزاع بجامعة جورج ميسون بواشنطن العاصمة. كُتب هذا المقال خصيصاً لخدمة Common Ground الإخبارية