لم تجد عائلة أم نبيل 50 سنة غير الجزيرة الخضراء في شارع الأمير فيصل، أمام أحد الأبراج السكنية، لتقيم فيها حفلة شواء بسيطة، تجمع أفراد عائلتها من كبيرها إلى صغيرها. وتقول أم نبيل وسط ضوضاء الأطفال وألعابهم النارية الصغيرة:"الهواء جميل وطلق هنا، ويفضله أطفالنا ورجالنا على أي مكان آخر لأننا نجد فيه حريتنا". وتشير إلى أن الأطفال من كل الأعمار، يستطيعون المجيء إلى المكان والاستمتاع به، وإحضار مختلف الألعاب، كالدراجات الهوائية وغيرها. وتضيف:"كلما كان عددنا أكبر، قضينا أوقاتاً أجمل". وتوضّح ابنتها سمر 20 سنة أن أفراد العائلة يفضّلون الجلوس براحتهم هنا، على الذهاب إلى المطاعم التي تكون أجواؤها رسمية، مضيفة أن الأطفال سيكونون مقيدين هناك لأنهم لن يلعبوا كما يشاؤون. وتتمنى سمر لو يعود كورنيش جدة كما كان منذ سنوات، حين كان يُسمح للأطفال والرجال بالسباحة. وتقاطعها أم نبيل منتقدة الحال التي وصل إليها الكورنيش الآن"، فبسبب الازدحام وكثرة المطاعم والمحال فيه، لا نستطيع أن نجلس براحة هناك"، كما تقول، وتستدرك بأن المساحة التي تفصل العائلات بعضها عن بعض، كافية. وهذا ما تعتبره"متنفساً للنساء"، يتصرفن كما يحلو لهن،"من دون أن يلاحظنا أحد". ويتخذ سكان جدة أي مساحة خضراء موجودة بين الشوارع أو البيوت، أو حتى المساحات الخالية المتناثرة في أرجاء المدينة، متنزهات لهم، يقضون فيها عطلهم الأسبوعية، خصوصاً عندما يكون الطقس جميلاً. وفي فسحة خضراء، أمام فندق فخم، تتعالى أصوات الأمهات، وهن ينادين الأبناء والبنات، لإبقائهم بعيدين عن الشارع وخطر السيارات، والصغار يصولون على الدراجات الهوائية ويجولون في المكان الضيّق. وهناك كانت صفيّة 35 سنة، تجلس بين أفراد عائلتها على رصيف في شارع الأمير فيصل، خلف سيارتهم، وتربّعوا على سجادة تتوسطها التمور، وجميع أنواع الحلويات. وصفيّة لا تعرف مكاناً آخر تذهب إليه، غير هذا المكان، أو ما يشبهه، للترفيه عن النفس. والسبب أن عائلتها تفضل دائماً أحد خيارين،"السفر إلى الخارج أو الجلوس في الهواء الطلق في إحدى ساحات جدة الخضراء أو الخالية"، كما تصفها. وفي تلك الجلسة، تكشف الأم الثلاثينية وجود خمس أسر من عائلة واحدة،"نتجمع من وقت إلى آخر، لنذهب جميعاً في نزهة مثل هذه، بعيداً من روتين المنزل". وبحسب سوسن 30 سنة،"الجلوس هكذا أجمل بكثير من رسمية المطاعم"، كما تشير، وتوضّح قائلة، بحماسة:"هنا نجلس ونتكلم ونضحك بصوت، لا يهم إذا كان عالياً، لأن المكان ليس مزدحماً ولا أحد يستطيع استراق السمع". وتتمنى الطفلة أميرة 7 سنوات، أن يكون دخول حديقة الألعاب الملاهي"من دون نقود"لتذهب إليها كل يوم، بينما لا تطالب نادية 19 سنة، إلاّ بوجود حدائق خضر على الكورنيش، بسبب حبها ل"منظر البحر". وتتجمع أيضاً عائلات على طول رصيف شارع الأمير نايف. ومن بينها عائلة سميرة 25 سنة، التي تتمنى توافر الخدمات الضرورية والحاجات، مثل ألعاب الأطفال والتسالي، وأكشاك المشروبات والمأكولات الخفيفة،"بأسعار معقولة". وهي تنتقد إزالة الخيول والعربات من كورنيش البحر، لأنها كانت تسلّي الكبار والصغار على حد سواء. تأتي سميرة وعائلتها إلى مثل هذا المكان مع الأطفال، فقط أثناء العطل والإجازات، بحسب انشغالهم وحال الطقس. وذلك لأسباب مالية، فليس بمقدور كل العائلات توفير ثمن الذهاب إلى المطاعم أو حديقة الألعاب الملاهي. وتتمنى زيادة الاهتمام بنظافة الشوارع، ومظهرها، خصوصاً الكورنيش الذي قارنته ب"مدن ساحلية أخرى نظيفة وجميلة". وتشكو حنان 29 سنة وزوجها من قلة المياه، وانقطاعها أحياناً كثيرة، في الحمامات. وتشرح قائلة:"المشكلة التي نواجهها دائما أثناء النزهات، هي ندرة الحمامات وانقطاع المياه فيها... إضافة إلى اتساخ الشوارع، وأكوام القمامة على جوانبها وفي الكورنيش أيضاً، ما يتسبب بانتشار الحشرات في كل مكان". وتقول إن زوجها تعجّب عندما طُلب منه دفع"ريال لدخول الحمام!"."قضاء الحاجات مقابل مال"، يقول الزوج هازئاً. وتتمنى حنان وجود خدمات مختلفة تستطيع من خلالها الاستمتاع بالعطل، مثل محال المشروبات والمأكولات الخفيفة، وأماكن للعب. ويذكر الزوجان أنهما قدما إلى هذا المكان، بعد ذهابهما إلى الكورنيش، بحثاً عن بعض الهدوء والخصوصية وبعداً من الازدحام، بسبب"قلة عدد العائلات هنا". وهما يشكيان أيضاً من ازدحام الكورنيش وأماكنه الضيقة. ويطالبان، مثل غيرهما، بتوفير المساحات اللازمة والخدمات الضرورية للعائلات في أماكن كهذه. ويشير المدير العام للحدائق والتجميل في أمانة جدة، بهجت حموة، إلى وجود مشاريع للإدارة خلال السنتين المقبلتين، ترمي إلى إنشاء 50 ساحة للبلدية، تتضمن ملاعب رياضية، مثل ملاعب كرة السلة والكرة الطائرة وكرة القدم، وكل ما ينفّس عن الشباب... وتستقبل العامة. ويوضّح أن هذه الساحات ستكون موزعة في أنحاء مدينة جدة في شكل متوازن. وستشمل"جميع المناطق المأهولة في شرق المملكة وغربها وجنوبها وشمالها"، كما يقول، ويضيف:"هناك مشروع آخر لتطوير 150 حديقة للأحياء ستكون مزروعة زراعات تقليدية، وستتوافر فيها خزانات للمياه وشبكات للري، إضافة إلى المماشي والمظلات والإنارة، وأماكن مخصصة لألعاب الأطفال...". وتهدف الإدارة إلى تنمية الأهداف الاجتماعية والترفيهية لسكان جدة، إضافة إلى رفع مستوى وعيهم في الإفادة من هذه الحدائق.