ألقت فرنسا بثقلها خلف الرئيس التشادي إدريس ديبي أمس الثلثاء وقالت إنها على استعداد للتدخل ضد المتمردين المسلحين الذين قالوا إنهم سيقبلون وقفا لاطلاق النار شرط تنحي الرئيس ديبي. لكن رئيس الوزراء التشادي نور الدين دلوا كاسيري كوماكوي رفض أي اتفاق لوقف النار مع المتمردين، قائلاً"إننا سحقناهم". وذكرت وكالة"فرانس برس"أن الأجواء هادئة في العاصمة الثلثاء لليوم الثاني على التوالي، على رغم بعض النيران المتقطعة في ما يدل على توازن قوى يبدو مجدداً في صالح الرئيس ديبي. وصرّح الجنرال محمد علي عبدالله قائد العمليات في الجيش الوطني التشادي إلى"فرانس برس"بأن"المدينة برمتها تحت سيطرتنا". وأفيد الإثنين عن رتل عسكري للمتمردين متكون من ثلاثين آلية على الأقل على مدخل نجامينا الشمالي. وأوضح مراقب يتابع الوضع ميدانياً عن كثب"يبدو في آخر المطاف انهم على بعد ثلاثين كلم. وكانت مروحيات الجيش تقصفهم طول الاثنين". وأقر الناطق باسم المتمردين عبدالرحمن كلام الله بتدخل المروحيات لكنه اكد أنها لم تخلف"أي خسائر". وأضاف"إننا موزعون على امتداد عشرين كلم وبين عشرة الى ثلاثين إلى الشمال"، مؤكداً:"بامكان نجامينا أن تزعم ما تريد لكننا نطوق المدينة واحتفظنا بقواتنا كاملة". إلا أن مراقباً أشار الى أن المتمردين الذين تكبدوا خسائر خلال معارك نهاية الاسبوع، لم تصل اليهم التعزيزات التي قالوا إنها قادمة من الشرق. ووافق المتمردون أمس على مبدأ وقف اطلاق النار بعد تعرضهم الى ضغوط دولية قوية. وأعلن الناطق باسمهم عبدالرحمن كلام الله:"إدراكا منها لمعاناة السكان التشاديين ونزولا عند مبادرات السلام التي يقوم بها الاشقاء في ليبيا وبوركينا فاسو، وافقت قوات المقاومة الوطنية على وقف فوري لاطلاق النار". لكن رئيس الوزراء التشادي نور الدين دلوا كاسيري كوماكوي رفض ذلك، وصرح إلى قناة"فرانس 24":"لماذا اتفاق لوقف اطلاق النار؟ لم يعد لهم وجود. مع من تريدون أن نوقع وقف اطلاق نار؟ لقد سحقناهم". وأضاف:"لسنا فقط نسيطر على الوضع بل لم يبق تمرد، تم القضاء عليهم جميعاً. وآخر فلولهم تطارد على بعد خمسين كلم"من نجامينا. وأكد"انهم في محيط أولوا، وطيراننا يلاحقهم"، مضيفاً:"لقد استولوا على سيارات خاصة للفرار وتخلوا عن الآليات العسكرية". وأفيد في باريس أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أكد أن بلاده مستعدة"للقيام بواجبها"في تشاد، موضحاً أن"الجيش الفرنسي ليس هناك ليقابل بالأسلحة أياً كان، لكن هناك قراراً قانونياً صادق عليه مجلس الأمن الدولي بالإجماع يؤيد حكومة ديبي في وجه المتمردين وإذا تعرضت تشاد إلى عدوان فإن لفرنسا الوسائل للتصدي لأي عملية مخالفة للشرعية الدولية". وأضاف ساركوزي"لا أريد تدخلاً مباشراً بخلاف ما نقوم به". وتابع"لسنا في ما نسميه"فرنسا الأفريقية"الأمر الآن مختلف. هناك قوانين دولية وأنا أريد أن أحترمها". وتنشر باريس حالياً 1500 جندي وطائرات استطلاع وقتالية ونقل في اطار عملية"ايبرفييه"في تشاد. ودان تحالف المتمردين"تدخلاً مباشراً من الطيران الفرنسي خلف عددا كبيرا من الضحايا المدنيين"في نجامينا. لكن مصادر أخرى في حركات التمرد لم تؤكد لوكالة فرانس برس اطلاق النار من طائرات ميراج"اف1"الفرنسية ولم يلاحظ مراسلو"فرانس برس"حصول غارات جوية. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، أمس أن باريس تؤيد"وقف اطلاق النار"في تشاد كما وافق عليه المتمردون. وقال رداً على سؤال في جلسة مساءلة في الجمعية الوطنية:"نؤيد وقف اطلاق النار". وأضاف:"لذلك، نستمر في الوفاء بالتزاماتنا التي لا تتضمن مساعدة مباشرة في المعارك". وكان كوشنير أعرب عقب محادثات أجراها مع نظيره التشادي أحمد علامي في باريس، أمس، عن ارتياحه لعودة الهدوء النسبي الى نجامينا، مؤكداً أن فرنسا لم تكن بوارد التدخل عسكرياً على الأرض. وقال كوشنير خلال مؤتمر صحافي عقده مع علامي الذي توقف في العاصمة الفرنسية آتياً من أديس ابابا حيث شارك في اجتماع الاتحاد الأفريقي، ان الوضع الآن أفضل مما كان عليه قبل أربعة أيام وان المجال متاح الآن لبعثة السلام الافريقية التي تضم ليبيين وكونغوليين للتوصل الى نتائج. وأضاف ان فرنسا عملت سريعاً على تطبيق اتفاق التعاون الذي يربطها بتشاد وانه الآن وفي ضوء التحسن الذي طرأ على الأوضاع الميدانية"لسنا في وارد تجاوز ذلك، وليس هناك ما يدعونا الى القيام بأكثر من حماية المدنيين واسعاف الجرحى". وتابع أن الاعلان الصادر عن رئاسة مجلس الأمن يعزز دور الدول"التي تدعم تشاد وحكومتها الشرعية"وان كل الأسرة الدولية"أيدت عمل فرنسا في تشاد"في الأيام الماضية و"تعتبر اننا قمنا بواجبنا، ولن اقول لكم اننا سنخوض عمليات عسكرية ضد المتمردين". ونفى كوشنير ان تكون فرنسا قدمت أسلحة الى القوات التشادية، وقال:"سعينا إلى تهدئة نزاع عنيف، خرجنا منه للتو". وأكد ان انتشار القوة الأوروبية"يوفور"بات في ضوء التطورات الاخيرة"ضرورة تتعزز يوماً بعد يوم"بهدف حماية اللاجئين، معرباً عن أمله بأن يتم هذا الانتشار خلال الايام أو الأسابيع المقبلة. وقال كوشنير:"لم نرغب بأن يكون ديبي هدفاً لعمل عسكري مباشر، لكنه رد على الاقتراح الفرنسي باجلائه بلا، لكنه بالمقابل وافق على اقتراح العمل على وقف إطلاق النار". وفيما رفض كوشنير التكهن بحجم الدور السوداني في تشاد بالقول انه"دور واضح للجميع"في الأسرة الدولية، أكد علامي ان التشاديين الذين شاركوا في المعارك الأخيرة"ليسوا سوى أدوات في قضية ليست قضيتهم، وحملة لسلاح مسموم، مقدم من السودان لعرقلة المساعي الأوروبية لإسعاف لاجئي اقليم دارفور، ولإحراج الأسرة الدولية في إطار تحركها من أجل سكان هذا الاقليم". وأشار الى ان السلطات التشادية تمد يدها الى المتمردين انطلاقاً من اتفاق السلام الموقع في 13 آب اغسطس الماضي، وتقول ان هذا الاتفاق"مفتوح أمام الذين لم يوقعوه ويرغبون بالعدول عن المشاركة في العدوان السوداني". وتابع ان تشاد وحكومته لم يعترضا يوماً على التطبيع مع السودان"لكن السودانيين عودونا على لغة مزدوجة، فوقعنا معهم اتفاقات عدة لكنهم لم يلتزموا بأي منها". وأكد ان نجامينا باتت الآن بمنأى عن أي تهديد، رغم صعوبة الوضع الانساني فيها، وان السلطات التشادية"لم تطلب من الفرنسيين التدخل عسكرياً، بل اننا واجهنا التمرد ودحرناه وحالياً لسنا في حاجة الى دعم عسكري". وأضاف ان ما تطلبه تشاد من الأسرة الدولية هو دعم السلطات الشرعية ومساعدتها على إحلال الاستقرار ومواجهة الوضع الانساني،"أما الدعم العسكري فلم يكن وارداً، والقوات التشادية قامت بما ينبغي على أكمل وجه". وقال أحمد علامي:"آلاف من سكان نجامينا هربوا لأن المتمردين دفعوهم للاعتقاد بأنهم سيعودون وطلبوا منهم مغادرة المدينة فور انتهاء القتال منذ 24 ساعة". لكنه أكد أن نجامينا تحت سيطرة قوات حكومة ديبي. وفي واشنطن أ ف ب، أعربت الناطقة باسم البيت الابيض دانا بيرينو عن قلقها من الوضع في تشاد، وقالت:"لاحظنا هذا الصباح أن مزيداً من المدنيين تمكنوا من الفرار من اعمال العنف لكننا لا نعلم كم ستدوم تلك الأعمال وبالتالي نشعر بالقلق الشديد". وفي موسكو أ ف ب، حذرت وزارة الخارجية الروسية من"مخاطر امتداد"الاضطرابات التي تهز تشاد الى الدول المجاورة. وقالت في بيان ان"موسكو تدعم كلياً موقف الاتحاد الافريقي المبدئي في شأن احداث تشاد ومساعي قادة الدول الافريقية الذين يعملون بتفويض من الأممالمتحدة على اقرار السلام في تشاد".