الاتحاد العام لطلبة تونس، أعضاؤه مرة رفاق ومرات فرقاء. ولعل السبب الذي أنشئ لأجله، أي تجميع مختلف وجهات النظر في إطار تنظيمي واحد، كان هو نفسه السبب الذي أدى إلى كثرة الخلافات بين منتسبيه وهم يساريون وقوميون وإسلاميون. وكان الاتحاد تأسس عام 1952 على يد طلاب يدرسون في الخارج، خصوصاً في فرنسا ودول المشرق. وهدف إلى جمع أكبر عدد ممكن من الطلاب في صفوفه، لا سيما أن المؤسسة الطالبية الوحيدة التي كانت موجودة قبله هي"صوت الطالب الزيتوني"والتي كان منتسبوها هم طلاب الجامعة الزيتونية. وهي على غرار غيرها من الجامعات التي كانت منتشرة في البلدان العربية تهتم بالتعليم الديني. ومنذ تأسيسه, لم يسلم الاتحاد من محاولات السيطرة عليه من جانب الحزب الدستوري، الذي كان يحمل لواء النضال في تونس آنذاك. إلا أن أفكار القائمين على الحزب المشبعة بالقيم الثورية كانت تأبى هذه السيطرة. كذلك لم تخل السنوات التي تلت تأسيس الاتحاد من الكر والفر مع السلطة. ويمكن القول إن الأزمة الفعلية هي التي وقعت في عام 1972 بعد المؤتمر الثامن عشر للاتحاد، والذي تأكدت فيه سيطرة اليساريين على الاتحاد واستبعاد الدستوريين منه، وهو ما جعله عرضة لمحاولات التصفية. والرد الواضح على ما تم التوصل إليه في المؤتمر هو عمليات القمع التي قام بها عناصر الشرطة في الجامعات. وأهم القرارات التي اتخذت في هذا المؤتمر تتمثل في أن الجامعة شعبية والتعليم ديموقراطي، وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لحركة التحرر الوطني العربية، بالإضافة إلى ضرورة مساندة حركات التحرر في العالم. ويمكن القول أن محاولات السيطرة على الاتحاد وتوجهاته بدأت منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، لا سيما أن التناقض كان واضحاً في سياسته حيال الاتحاد. فهو من ناحية قام بتدشين المقر الجديد للاتحاد، وهو من كان طرد القائمين عليه من المقر السابق. أدى كل ذلك إلى إفراغ النشاط الطالبي لأكثر من عشر سنوات فصار يفتقد إطاراً نقابياً موحداً, ما دفع الى بذل جهود حثيثة لإعادة تفعيله وهذا لم يتحقق إلا في عام 1984 في المؤتمر الذي سمي"مؤتمر الحسم". وتم التوصل آنذاك إلى قرار باعتماد مبادئ جديدة ذات توجه إسلامي وبالعمل باسم جديد هو"الاتحاد العام التونسي للطلبة", وذلك لإضعاف سيطرة التوجهات الأخرى على الطلاب. وفي الثمانينات من القرن الماضي نشطت تيارات سياسية وفكرية كثيرة في الجامعات التونسية، كاليسار من ماركسيين لينينيين، والحزب الشيوعي، بالإضافة إلى الإسلاميين والقوميين والذين يضمون الطلاب العرب أو ما عرف بپ"الوحدويين التقدميين". إلا أن هذا الاختلاف كله أفقد الحركة الطالبية قوتها الدافعة وجعلها تضعف. وهنا صار النزاع على الطلاب واضحاً, إلى أن فازت به الحركة الإسلامية. ودخل الإسلاميون بعد ثلاث سنوات من تجييش الطلاب، في نزاع مع السلطة أدى الى مواجهات أسفرت عن وضع الجامعة تحت المراقبة الأمنية المباشرة وحرمان الحركة الطالبية من حرية العمل السياسي في الحرم الجامعي. حال الاتحاد اليوم حال الاتحاد اليوم كالسابق، صرخات منتسبيه المتكررة"دعوة دعوة"في الحرم الجامعي لم تعد مسموعة كما السابق. نشاطات كثيرة يقوم بها هؤلاء محاولين لفت الانتباه، إلا أن جموع الطلاب لا تلبث أن تتشتت مرة أخرى. فالاتحاد الذي كان رأس الحربة في الدفاع عن حقوق الطلاب، والأساس الأول في تنظيم صفوفهم، لم يعد سوى حلبة لتصارع الفرقاء. فالانقسامات دائمة داخل كوادره، والخلاف هذه المرة بين تيارين، الأول بقيادة الأمين العام عز الدين زعتور وهو الأمين العام منذ أكثر من عشر سنوات، والتيار الثاني هم مجموعة من أعضاء الهيئة الإدارية والمكتب التنفيذي. ويزعم البعض أن زعتور حاول مرات عدة عقد مؤتمر موحد يشمل جميع الفرقاء، لكنها باءت بالفشل، خصوصاً مع الثقل الذي يتمتع به الطرف المقابل. والمشكلة هنا أن كلا الطرفين يتهم الآخر بالعمالة والتواطؤ مع النظام. وكلاهما أعلن موعداً للمؤتمر العام في تاريخين مختلفين، والحجة هي صعوبة إيجاد رؤية موحدة للمؤتمر الذي كان من المفروض أن يكون مؤتمراً واحداً. الأحاديث عن الخلافات كثيرة، لكن الإشكالية هي كيفية ترجمة هذه الخلافات، والمشكلة الأكبر في تصديق أحد الطرفين، أو على الأقل الانحياز الى أحدهما. وبحسب أحد أعضاء المكتب التنفيذي من المقربين من زعتور فقد تم اقتحام للمقر المركزي للاتحاد في ليلة 17 آب أغسطس الماضي، فخلعت الأبواب وسرقت وثائق الاتحاد وهو ما أضر بتجهيزات المقر. وبحسب ما أفاد فإن منفذي الاقتحام هم أحد الأطراف الذين خسروا غالبيتهم داخل المنظمة. ويمكن القول أن هذه الأمور تحدث على خلفية الأزمة التي تعيق الإعداد لمؤتمر موحد لاتحاد الطلبة، وما زاد الطين بلة هو استفحال الخلافات على تطبيق الاتفاق في ما يخص اللجنة الوطنية المشتركة للتحضير للمؤتمر. ويذكر ان أعضاء الاتحاد العام، بمختلف توجهاتهم، موجودون بكثافة في أهم الفروع الجامعية الكبرى بالجمهورية خصوصاً في الحرم الجامعي في تونس وحرم منوبة و9 أفريل ومعهد اللغات الحية وبنزرت وكليات جندوبة وسوسة والقيروان والمنستير وصفاقس وقفصة وقابس والتي تحوي أكثر من 70 في المئة من الطلاب التونسيين البالغ عددهم قرابة 400 ألف طالب جامعي. وتظهر قوة الطلاب في الانتخابات السنوية للمجالس العلمية حيث يكون دوماً لطلاب الاتحاد نصيب الأسد في هذه الكليات فيما تتفرد السلطة بتنصيب طلاب الحزب الحاكم في المعاهد العليا والكليات الصغيرة والنائية التي لا تجرى فيها انتخابات، علماً أن الطلاب الإسلاميين استعادوا بعض حضورهم من خلال المشاركة بقائمات مستقلة فازت ببعض المقاعد خصوصاً في كلية العلوم في تونس.