بدأت أمس المعركة الانتخابية الرئاسية في روسيا، والتي استعد المرشحون الأربعة لها جيداً. جمعوا الأموال اللازمة، ووضعوا اللمسات الأخيرة على برامجهم الانتخابية. واختار كل فريق منهم بعناية صور المرشّح والأفلام التسجيلية التي ستعرضها قنوات التلفزة في شكل"أنيق وجذاب". كما أعدّت الخطابات الرنانة المملوءة بوعود من أجل المناظرات التلفزيونية. بدا أن كل شيء يوحي بانطلاق صراع قوي سيشغل الروس حتى موعد الاستحقاق بعد شهر. غاب فقط... مبدأ المنافسة! فنتائج الانتخابات المقررة في الثاني من آذار مارس المقبل، أعلنت قبل شهور. ولم يترك الروس مكاناً لمفاجأة العالم بهوية سيد الكرملين الجديد الذي سيكون ديميتري ميدفيديف، حتى أن البعض لم يجد حرجاً في الحديث بلغة الأرقام عن النسب التي سيحصل عليها بعد فوز أكيد. وعلى رغم ذلك، فإن"الديكور"اللازم لاستمرار العرض إلى آخره، مكتمل العناصر. ثمة ثلاثة مرشحين آخرين، يمثلون ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في روسيا. من الشيوعي غينادي زيوغانوف الذي يصرّ على أن ثلث الروس يؤيد أفكاره، إلى اليميني أندريه بوغدانوف الذي دخل السباق معلناً انتماءه إلى تنظيم ماسوني"لن أتخلى عنه إذا انتخبت رئيساً"، وصولاً إلى فلاديمير جيرينوفسكي السياسي القومي المتطرّف الذي يضيف"نكهة خاصة"على كل انتخابات يشارك فيها باعتباره"المهرج السياسي لروسيا"كما يصفه البعض. ومبدأ المنافسة غائب، ليس لأن النتائج معروفة سلفاً وحسب، بل لأسباب كثيرة أخرى، أقلها التفاوت الشاسع في حجم الموازنات التي جمعها كل مرشح لتمويل معركته. وتراوح بين أقل من خمسة ملايين روبل 200 ألف دولار وفّرها بوغدانوف، وبين أكثر من 66 مليوناً جمعها ميدفيديف"بسهولة". وأيضاً على صعيد التغطية الإعلامية، فمثلاً أعلن زيوغانوف أنه سيسعى إلى الإفادة الى أقصى درجة من ساعات البث المجاني الممنوحة في وسائل الإعلام للدعاية الانتخابية،"لأن وسائل الإعلام المملوكة بغالبيتها من الدولة تتجاهل نشاطات المرشحين الآخرين وتركّز على واحد فقط". ولفت البعض إلى أن الصحيفة الرسمية للحكومة نشرت البرنامج الانتخابي الكامل لميدفيديف ووضعته تحت عنوان بارز: خطة بوتين! ما اعتبر إمعاناً في استخدام شعبية الرئيس الروسي لمصلحة خليفته، ما دفع"المنافسين"إلى إطلاق صرخات الشكوى. وأيضاً، أعلن ميدفيديف الذي يُقدّم باعتباره"سياسياً ليبرالياً يسعى إلى تعزيز اقتصاد السوق والتكامل مع أوروبا"، أنه لن يشارك في المناظرات التلفزيونية"حتى لا يكسب الآخرون نقاطاً على حساب شعبيته الصاعدة"منذ إعلان الرئيس بوتين دعمه له. في المقابل، لجأ المرشحون الآخرون إلى ابتكارات متنوعة للفت الأنظار ومحاولة زيادة رصيد كل منهم في صناديق الاقتراع. إذ ينوي الشيوعيون التركيز على الدعاية التلفزيونية مع تقديم زيوغانوف"بهيئة جديدة لم يره فيها أحد في السابق"، بحسب نائب المرشح اليساري ايفان ميلنيكوف الذي تجنّب"كشف كل الأسرار حالياً". لكنه قال إن الحزب الشيوعي"سيستخدم أفلاماً دعائية تتميز بألوان ساطعة ومؤثرات صوتية ذات تأثير نفسي قوي حقاً". أما بوغدانوف الذي أثار ولاؤه للتنظيم الماسوني جدالاً لم يهدأ، فسيركز في مناظراته على"الحياة المنزلية". وقال فياتشيسلاف سميرنوف مدير حملته إن"مهمتنا هي تقديم مرشحنا شخصاً عادياً يمثل الطبقة الوسطى التي يسعى للذود عن مصالحها". ولم يتخلف جيرينوفسكي عن ابتكار أساليب خاصة للدعاية، اذ تعهّد"تسلية"الروس من خلال 80 فيلماً تسجيلياً عنه إعدّت بأشكال مختلفة وستُعرض خلال هذا الشهر،"ومن المستبعد أن يشعر المشاهدون بالضجر لأن في كل منها جديداً". أما أبرز وعوده الانتخابية إذا فاز فهو"إطلاق سراح المساجين"! وفي مقابل انشغال الطبقة السياسية بتحضيرات الانتخابات، أظهرت استطلاعات أن الروس لا يبدون كثيراً من المبالاة للحملة الجارية. وتشغل رؤوسهم هموم ارتفاع الإسعار وزيادة معدلات التضخم وغيرها من المسائل التي لم تتوقف البرامج الانتخابية كثيراً عندها.