مفاجأة توزيع جوائز الأكاديمية هذا العام، والتي أعلنت في ساعة متقدمة من ليل الأحد - الاثنين، كانت في عدم وجود أي مفاجأة على الإطلاق. إذ حتى فوز الفرنسية ماريون كوتيّار بأوسكار"أفضل ممثلة"عن دورها في"لاموم"الذي يرصد حياة المغنية الفرنسية الراحلة اديث بياف، كان متوقعاً الى حد كبير، رغم ان كيت بلانشيت بدت لوهلة منافسة قوية لها. ولكن لو فازت بلانشيت لما تبدل شيء في واقع لفت أنظار الجميع: واقع ان الجوائز الأربع التي أعطيت للممثلين أفضل ممثلة وممثل في دور أول، وأفضل ممثل وممثلة في دور ثانوي، ذهبت هذه السنة الى فنانين غير أميركيين. الجديد هذه المرة، على أي حال، هو ان فرنسية فازت بالجائزة الأسمى، وهو أمر لم يحدث منذ زمن طويل. بل حتى حين فازت سيمون سينيوريه بالأوسكار في الخمسينات فازت عن فيلم أميركي. هذا الكرم الهوليوودي تجاه الأجانب كان، إذاً، متوقعاً، كما كان فوز دانيال دي لويس بأوسكار افضل ممثل عن دوره الرائع في"ستكون هناك دماء"لبول توماس اندرسون، وماتيلدا سونتون عن دور المحامية الفاسدة في"مايكل كليتون"وهذان الاثنان انكليزيان. أما الأجنبي الرابع في هذه الفئة فهو خافيير بارديم الاسباني الذي فاز بجائزة أفضل ممثل عن دور ثانوي، في فيلم"ليس هذا وطناً للعجائز"للأخوين جويل وايثان كون، اللذين خرجا فائزين كبيرين من حفلة الأوسكار هذه، حيث توج فيلمهما بجائزة أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل سيناريو مقتبس لتكون الجوائز الثلاث من نصيبهما شخصياً، في وضعية جعلتهما ينضمان الى بيلي وايلدر وجيمس كاميرون وفرانسيس فورد كوبولا الذين فاز كل منهم في الماضي بثلاث جوائز في حفلة واحدة. والحقيقة أن هذا الفوز الكبير للأخوين كون عن هذا الفيلم المقتبس من رواية لكورماك ماكارتني، كان متوقعاً منذ ربيع العام الفائت حين عرض الفيلم في مهرجان"كان"ونال إعجاباً كبيراً من نقاد ومتفرجين اعتبروه واحداً من أروع ما حقق الأخوان كون في تاريخهما المملوء بأفلام نالت جوائز بوفرة في كل أنحاء العالم خلال العقود الفائتة، لكنها لم تحظ بما كانت تستحقه دائماً من أوسكارات. هذا الكلام نفسه يمكن قوله عن دانيال دي لويس، الذي كثر توقع فوزه خلال السنوات الفائتة عن أدوار كبيرة لعبها في"عصر البراءة"و"عصابات نيويورك"لمارتن سكورسيزي بخاصة، كما في"نشيد جاك وروز"لزوجته ريبيكا ميلر... لكنه نالها أخيراً عن دور أجمع الذين رأوا فيلمه"ستكون هناك دماء"المأخوذ عن رواية"نفط"للكاتب الاشتراكي الأميركي آبتون سنكلير على انه أجمل ادواره حتى الآن. وكان يتوقع أن يفوز"ستكون هناك دماء"بجوائز عدة أخرى. وينطبق هذا على"جونو"الفيلم الأميركي الذي كان يتوقع له بدوره أن يحقق مفاجآت كبيرة، لكنه اكتفى بجائزة افضل سيناريو أصلي نالته كاتبة الفيلم، راقصة التعري السابقة ديابلو كودي. فيما نال فيلم"خضرة مشكلة"جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة. ونال"المزيفون"النمسوي جائزة أفضل روائي فيلم أجنبي. فيما فاز"تاكسي الى الجانب المظلم"بأوسكار أفضل فيلم وثائقي وهو فيلم تدور أحداثه في كابول من خلال خطأ قاتل ارتكبه الأميركيون هناك. كل هذا أتى في حفل صاخب، لكنه بدا حافلاً بالأمل، لأهل مهنة باتوا يدركون أكثر وأكثر ان مهنتهم في ازدهار، كماً ولكن نوعاً أيضاً، خصوصاً ان انفتاح اهل هوليوود - في توزيع الجوائز - على مبدعين وأفلام من شتى أنحاء العالم، يعطي العولمة الهوليوودية معانيها الحقيقية... أي معانيها الانسانية، بعيداً من خطابات السياسة ومساوئها. وهذا الأمر بالتحديد عبّرت عنه الكلمات والخطب التي ألقيت، والتي من دون ان تكون نارية وصاخبة، تحدثت عن الأمل والسلام ولو وسط عالم من الصخب العنيف.