تمر البلاد العربية خصوصاً والشرق الأوسط عموماً في مرحلة قلقة وخطرة تبعث على الشك والريبة والتساؤل عن المخطط القوي القادر الذي يقوم بهذا الهجوم الحضاري الشامل ليمنع الاستقرار وليهوي بالمنطقة في درك الانحطاط والدمار. وقد يرمي مثل هذا التخطيط الى بعثرة الأمة العربية وتفتيت الدين الاسلامي وتقسيم المنطقة، الى دويلات صغيرة، من طريق أعمال همجية لا انسانية تنتسب الى العرب والمسلمين، إنما يخططها ويرعاها ويدعمها ويغطيها عناصر تخترق المنظمات وتدعّي الاسلام وتنفذ الارهاب في أطراف المعمورة، خصوصاً في الدول الاسلامية. وإذا تابعنا مسلسل الأعمال الارهابية من 11 أيلول سبتمبر 2001 حتى آخر العام 2007 نجد أنها تسير في خط واحد وطريقة واحدة... والبعض منها لا يستطيع تخطيطه والقيام به سوى منظمة خبيرة وافرة المعرفة والدقة والتقنية، تتقن هذا النوع من الأعمال الارهابية، كتحطيم برجي نيويورك اللذين كانا نموذجاً حضارياً أو اغتيال الشهيد رفيق الحريري الذي له موكب بالغ الحماية، وأخيراً بينظير بوتو التي كانت تتوقع اغتيالها. ومسلسل التفجيرات في نيويورك ثم في اسبانيا والغرب وأخيراً في لندن، وخلال ذلك في لبنانوالعراق، يحمل ثوباً واحداً قد تكون وراءه جهة تخطط للدمار والفوضى والانحلال الحضاري... وتسعى في شكل خاص الى أذى المجتمع الاسلامي وبعثرة الطاقات العربية ومنع كل حضارة ممكنة في الشرق الأوسط. يكفي أن نذكر الحرب في العراق وما تلاها من جرائم وحشية لتمزيق الكيان العراقي من خلال قتل مئات العلماء والأطباء ونهب المتاحف والمؤسسات واختراق المرتزقة الاجانب بثيابهم المدنية المجتمع العراقي لتنفيذ المخطط التخريبي الذي أوكل اليهم، ويكفي أن نطلع على انجازاتهم وإثارتهم النعرات الطائفية الهاجعة، لندرك الدور الذي تلعبه جهة خفية في تحطيم كل حضارة عرفتها الشعوب العربية، أو عرقلة سعيها الى حضارة أفضل. ولم تقف المخططات الخفية التي وضعت منذ قرن تقريباً عند تحطيم الاسلام والإساءة اليه، إذ كان زرع اسرائيل في الشرق الأوسط انطلاقة هذا التخطيط، وهي تعمل جادة الى اثارة خلاف عربي ? فارسي طواه الزمن... وتحطيم الرابط الاسلامي الذي يجمع الطرفين، وبكل تأكيد فإن الأعمال الارهابية يقوم على تنفيذها مسلمون غسلت عقولهم، ظانين انهم ذاهبون الى الجنة، إنما المهم أن يتغلغل بين صفوفهم عملاء لهذه الجهة الخفية وقد لبسوا ثوب الاسلام... على نحو ما رأينا في الهجمات الارهابية في مراكش ومدن أوروبية. من المؤكد وجود"قاعدة"تتبنى هذه الأعمال الارهابية واللاانسانية، إلا أننا نتساءل من صنع"القاعدة"ومن خطط اطارها وكيف تم اختراقها لتنفيذ ما يسيء الى الاسلام. التحقيق في أحداث أيلول 2001 كان الرئيس بوش قد ألف لجنة خاصة من مستشارين في البيت الأبيض ومن بعض أعضاء الكونغرس لدراسة ما وراء أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 والتدابير التي تمنع تكرارها... وكانت برئاسة توماس كين ولي هاملتون واجتمعت اللجنة مرات خلال خمس سنوات ويحق لها الاطلاع على مستندات وكالة الاستخبارات الأميركية CIA. وكانت مفاجأة كبرى للرأي العام الأميركي مقال كتبه رئيسا اللجنة في صحيفة النيويورك تايمس في 2 كانون الثاني يناير 2008 وفيه توضيحات عن رفض ال CIA اعطاء معلومات، وإن اللجنة لم تستطع اداء عملها كاملاً، وزاد في الغموض تمزيق الوكالة تسجيلات وأشرطة فيديو، أخذت من أفراد"القاعدة"في سجن غوانتانامو، وطلبت اللجنة تقارير عن الموضوع، ولم تحصل الا على خلاصة تثير الأسئلة أكثر ما تحمل من أجوبة في تشرين الأول اكتوبر 2003، وأرسلت طلباً ثانياً للاطلاع على تفاصيل التحقيق ولم تحصل على أجوبة واضحة، وعندها طلبت اللجنة استجواب الموقوفين وعلى رأسهم أبي زبيدة و عبدالرحيم الناشري فلم يسمح لها. وفي 23 كانون الأول ديسمبر 2003 اجتمعت اللجنة مع رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية الذي أجاب بصراحة ان الاتصال بالموقوفين غير ممكن. وفي 21 كانون الثاني 2004 اجتمعت ثانية مع رئيس الوكالة بحضور وزير الدفاع ومندوب عن وزراء العدل وتم مجدداً رفض اتصالها بالموقوفين. يذكر المقال بكل صراحة أن مساعي اللجنة باءت بالفشل ولم تطلع على حقائق الأمور على رغم قانونية انشائها... * استاذ سابق في كلية الطب ? جامعة دمشق