أبعد من حظر حزب "البديل الحضاري" ذي المرجعية الإسلامية في المغرب، على خلفية تورط زعامته في الارتباط بخلية ارهابية، أن القضية تميل إلى توزيع الأدوار بين أجنحة سياسية وأخرى ذات طبيعة شبه عسكرية. ومع أن الجزم في حاجة إلى حكم القضاء لنزع الشك أو تبرئة المتهمين، فإن تجارب أحزاب ذات مرجعيات إسلامية في العالم العربي دلت على وجود ذلك الارتباط. ف"جبهة الانقاذ الإسلامية"في الجزائر اشتغلت بمنطق الحزب السياسي قبل أن تتفرع عنها فصائل استخدمت السلاح. ولا يمكن الاستناد إلى إلغاء نتائج الانتخابات كمبرر للانعطاف نحو دوامة العنف والاقتتال. لا تتماهى التجربتان المغربية والجزائرية في هذا النطاق. غير أن فرضية بعيدة كانت ستطرح إشكالاً سياسياً وقانونياً لو أن حزب"البديل الحضاري"الذي خاض الانتخابات الاشتراعية العام الماضي حاز مقاعد متقدمة، وفي أقل تقدير كان الموقف سيتطلب معاودة اجراء انتخابات جزئية لملء المقاعد الفارغة. ولن يشفع للمسؤولين المغاربة أنهم رخصوا لحزب"البديل الحضاري"بحسن نية. في مرجعيات الأحزاب الإسلامية في المغرب، وفي مقدمها"العدالة والتنمية"، أنها انبثقت من تنظيم راديكالي يدعى"الشبيبة الإسلامية"، كان يتبنى العنف المسلح لإطاحة النظام في سبعينات القرن الماضي، وما حدث أن خطوات الانفتاح التدريجي من طرف النظام على التيارات الإسلامية قوبلت بتغيير المفاهيم والرؤى من جانب قيادات اسلامية استطاعت الإفادة من تقاطع الخيارات عند محطة الشرعية الديموقراطية. وفيما ارتضت هذه التيارات ذات الاتجاه المعتدل ألا تقحم نفسها في مغامرات غير محسوبة، حتمت أوضاع اقليمية ودولية وداخلية على المغرب إقرار مصالحات سياسية كان من أبرز عناوينها القطع مع أسلوب التغيير بالقوة ومن الخارج. ليس الإسلاميون وحدهم من اذعنوا لهذا المنطق، ذلك أن أعتى الأحزاب المعارضة ذات الميول اليسارية أفادت بدورها من هذا التحول. ولم يكن التناوب الذي قاد"الاتحاد الاشتراكي"في نهاية تسعينات القرن الماضي إلى رئاسة الوزراء والانخراط في المشاركة الحكومية سوى نتيجة طبيعية لقرار كان اتخذه الحزب في منتصف التسعينات بالقطع مع أسلوب"الخيار الثوري"الذي كان يقوده معارضون متشددون في الخارج. وكما أن الزعيم السابق للاشتراكيين عبدالرحمن اليوسفي، الذي عاش ردحاً من الزمن في المنفى خارج البلاد، أرسى الوفاق مع الملك الراحل الحسن الثاني وأسس لمصالحة تاريخية، فإن الدكتور سعد الدين العثماني القادم بدوره من تنظيم"الشبيبة الإسلامية"استطاع أن ينسج علاقات ثقة مع النظام أهلت حزبه الإسلامي إلى العمل المشروع ثم تبوؤ مكانة متقدمة في الخريطة السياسية في البلاد. ولا يبدو أن التيارين الاشتراكي والإسلامي، على رغم تباين مواقفهما وتعارض توجهاتهما، مستعدان للعودة إلى الوراء. ما يبعث على التساؤل أن توصيفة الوفاق السياسي التي تشارك فيها فاعليات أخرى متعددة المشارب والنزعات لم تحل دون وقوع هزات بين الفينة والأخرى بهدف جر البلاد إلى مغامرات. وربما كانت هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها التخطيط لأعمال إرهابية بحزب سياسي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فقد تبودلت على إثر الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء في عام 2003 اتهامات حول الضلوع في التحريض على العنف من خلال ارتباطات بعض شيوخ السلفية الجهادية، إلا أن"العدالة والتنمية"، الذي كان مستهدفاً، تمكن من احتواء الانتقادات وخرج منها معافى. والحال أن موجة العنف والتفجيرات الانتحارية كانت عشوائية وعمياء، ما يعاود طرح اشكالات المتحركين من خارج مربع العملية السياسية. والأكيد أن هذا الانفلات له علاقة بحمى الإرهاب ذات البعد الكوني وأيضاً بالمراتع الخصبة التي ينمو فيها، غير أن كل الكلام عن الخلفيات السوسيولوجية لتنامي الظاهرة يتعارض والتخطيط لأعمال إرهابية من منطلقات سياسية. فالأمر أشبه باستحضار أدوات صراع غير مشروعة ومنبوذة لتحقيق أهداف لا يمكن أن تكون مشروعة أو مقبولة بقوة القانون وقيم الحضارة الإنسانية. تناسل الخلايا الإرهابية وتفكيكها في المغرب يعني شيئاً واحداً هو أن الأحداث لم تعد مفاجئة، وباستثناء تفجيرات الدار البيضاء لعام 2003، فإن المبادرة أصبحت تعزز التوجه الاستباقي في احباط الأعمال الإرهابية، غير ان ذلك لا يشكل استراتيجية قائمة بذاتها لإبعاد شبح المخاطر. وأفضل الاستراتيجيات تعميق الوعي بأهمية المشاركة السياسية المنطلق من حس الإرادة وفعالية القرار.