صار من النادر في البث الفضائي العربي، التوقف عند سلسلة درامية تلفزيونية تعالج مشكلات الحب في المجتمع العربي، من دون أن تمر بحالة الفصام بين ما تعرضه الشاشة، وحقيقة ما يعيشه الفرد المشاهد. طبيعة العرض التلفزيوني الملفقة في غالب الأحيان، تغلِّف الحديث عن الحب بشبكة من العلاقات التي تتمحور حول حدث درامي لا ينتمي إلى جذور الواقع، إلا بمقدار ما يجعل تلك المشكلات تهويمات رومانسية مغرقة في التراجيدية، ولا تقدم صورة حقيقية عن العلاقات الإنسانية. من هذه الندرة يبزر مسلسل"سيرة الحب"للمخرج عمار رضوان، الذي تعرضه فضائية أبو ظبي. المسلسل ينتمي إلى الدراما المنفصلة، والتي تتحدث في كل حلقة عن قصة حب، كما في سلسلة"أهل الغرام"، والعنوان كما هو واضح مقتبس من أغنية أم كلثوم التي تحمل الاسم نفسه، في مقاربة لزمن أكثر رومانسية من الواقع المُعاش. هذا ما يبدو من العنوان، لكن المسلسل قفزة في تاريخ الدراما السورية، بعدما عانت الدراما من مشكلات لها علاقة أولاً بالظرف الداخلي الذي جعل منها دراما توجيهية، وثانياً بنهوض الدراما الخليجية التي تكتسح سوق الإنتاج، وتعتمد على نفسها، ويمكنها أن تستغني قريباً جداً عن الدراما السورية والمصرية لبثها الفضائي. لا يقف المسلسل فقط عند حدود الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، ومناقشة فكرة الحب وحالاته ومتغيراته، بل يكشف عميقاً، وعبر حوارات بسيطة، كوميدية وتراجيدية عن معضلة مهمة، وهي أن الحب جزء من المجتمع، وعلاقات الحب تندرج ضمن طبيعة علاقات المجتمع، ومن الصعب أن نحلم كأفراد بوجود علاقات حب صحيحة، في مجتمعات تحكمها التشوهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع أن الانتصار للحب هو الفكرة الغالبة. لا يقف"سيرة الحب"عند شريحة معينة من الناس، بل يشمل شرائح بوجهات نظر متعددة، وعلاقات الحب التي يعيشها أبطاله ذات طرح جريء، وتتعدى المألوف البصري، فتقدم فكرة العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة، ومفهوم المساكنة... ولعل أهم ما قدمه المسلسل أنه غيّر الصورة النمطية للمرأة العاشقة التي درجت الدراما التلفزيونية على تقديمها، فجعلها تتمتع بالعقل والجمال والجرأة، وكل هذا لا يتنافى مع الحرية الشخصية الإيجابية التي لن تودي بها كما يحدث عادة، إلى وكر الرجل الذئب! فليست كل امرأة حرة مستقلة هي صورة نمطية للمرأة المنفلتة أخلاقياً. هذا المسلسل خطوة مغامرة، تجعل الشباب، إخراجاً وتأليفاً وتمثيلاً، مادتها وصناعتها الأساسية، كما انها مغامرة بالنسبة الى أصحاب رأس المال، باعتبار ان المشاهد العربي اعتاد دراما"مهلهلة"تتناسب وشغفه بالحديث عن الماضي خصوصاً في الوجبات الدسمة التي يقدمها إليه سوق رمضان التلفزيوني. إنها مغامرة ناجحة، ليس لأنها تقدم وجهة نظر جريئة فحسب، بل لأن تقديم الشكل الممتع والمضمون الحداثي، في سوق بضاعة رديئة يجعل من البضاعة الجيدة، مقاساً غير مطلوب لذائقة مضروبة. ولا بد هنا من ذكر أن الدراما التلفزيونية السورية كانت سباقة في تقديم ما هو نوعي، وقد تمثل هذا، في السنوات الأخيرة بكادر مهم من المخرجين الشباب الذين كرسوا مفهوماً مختلفاً عن صناعة الصورة التلفزيونية وثقافتها. الثقافة التي تنتمي الى حس الحياة غير المزيف، وتدخل فيه وتعالجه، وتقدمه للمشاهد عبر رؤية أدبية، وتنتج مجالاً واسعاً للتخييل أمامه، والأهم من ذلك، أنها تجعله يستمتع بما يبصر.