يشير نجاح المسلسل الاجتماعي"ليس سراباً"وضعف الإقبال على المسلسل التاريخي"قمر بني هاشم"في سورية إلى تراجع بريق المسلسلات التاريخية لمصلحة نظيرتها الاجتماعية. ويعزو عدد من الفنانين والمشاهدين الإقبال على الدراما الاجتماعية الى ملامستها واقعاً لا يمكن ان يتوافر في الدراما التاريخية. "لا أريد الغوص في المشاكل التي تثيرها السير التاريخية، فأنا أريد تلمس واقعي الذي أعيشه بطريقة نقدية". بهذه العبارة يقارن الشاب عمران خليل طالب بين الدراما السورية الاجتماعية وتلك التاريخية، لافتاً الى ندوة عقدت أخيراً في دمشق حول العمل الدرامي الاجتماعي، واكدت النجاح الذي حققته على صعيد طرح مواضيع اجتماعية عاطفية كانت تعتبر من"المحرمات"في السابق. وبالفعل تحاول الدراما الاجتماعية السورية التعرض إلى الواقع اليومي من خلال معالجة نقدية من شأنها وضع الإصبع على الجرح، ما"استقطب المشاهد أكثر من الدراما التاريخية النبوية"، بحسب دراسة أجريت على عينة من الشباب السوريين. وتوضح الدراسة أن"الشباب السوري متلهف لأعمال تتطرق الى الزواج بين فتيان وفتيات ينتمون إلى أديان أو مذاهب مختلفة، شرط أن تؤدي إلى نتيجة مفادها أن المسلم والمسيحي جسدان في روح واحدة". ويعتبر الشاعر لقمان ديركي ان تراجع شعبية الدراما التاريخية يكمن في كونها"لا تجرؤ على التطرق إلى تاريخنا في سياق يختلف عن السياق الذي تعودنا عليه في المدارس وعبر وسائل الإعلام الموجهة، ما يفسر انصراف الناس عنها". وعلى رغم ان كاتب السيناريو، في الاعمال التاريخية، مقيد بأحداث لا يجوز الخروج عنها، فإن المشكلة التي وقع بها مسلسل"قمر بني هاشم"تتمثل في أنه ركّز على اللقطات الجمالية، فتناسى المخرج إدارة ممثليه الذين تحول أداؤهم إلى ما يشبه الدرس المدرسي. وفي حين فشل"قمر بني هاشم"في دغدغة مشاعر جمهوره، تمكنت الدراما الاجتماعية"ليس سراباً"من تجاوز النمطية في الشخصيات، ما جعل هذا المسلسل في قائمة المسلسلات الدرامية الاجتماعية الأكثر متابعة لهذا العام. يضاف إلى ذلك طريقة ملاحقة المسلسل لطبيعة الحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية والمسيحية في شكل أثار انتباه المشاهد. وزاد من هذه الإثارة كونه يتناول إشكالية"إما هم او نحن"التي تحكم طبيعة العلاقة بين الطرفين بحيث لا يُلقى اللوم على طرف من دون الآخر. وكما تظهر الكنيسة يظهر الجامع، وكما يؤخذ رأي المسلم يؤخذ رأي المسيحي، وهذا بدوره شكّل طرحاً درامياً لم يسبق للدراما أن تناولته، بسبب اقتصارها على رؤية درامية بلون واحد. وفي هذا الإطار، يقول الفنان السوري نضال سيجري:"الدراما التاريخية تسقط اليوم من خلال التاريخ بينما الأعمال الدرامية الجديدة مثل"ليس سراباً"انطلقت من واقع الإنسان كما هو في الشارع والبيت". ومن النقاط الإيجابية التي قدمها هذا المسلسل للدراما الاجتماعية هو أنه لم يسع الى تقديم فكرة عن التسامح الديني أو تقديم الأديان من باب العقيدة، بل تناول الدين على أنه جزء من المجتمع بهمومه وشجونه ومشاكله. "لاحظنا أن البشر في مثل هذه الأنواع من الدراما هم أناس حقيقيون من لحم ودم بخلاف الدراما التاريخية التي تصور البشر على أنهم مصطنعون"، يقول الكاتب السينمائي والمخرج التلفزيوني نبيل المالح، ويضيف:"المستقبل لأعمال كهذه تنطلق من الواقع المعاصر للإنسان الذي يعاني من مشاكل كثيرة ليس بمقدور التاريخ إيجاد حلول لها".