تشاؤم بان كي مون إزاء عدم إحراز تقدم في مفاوضات مانهاست مصدره أن تعقيدات نزاع الصحراء وتضارب المصالح الذي صنعته لا يفسحان المجال أمام ترتيب أنواع التسويات التي تستوعب قضايا في حجم تقرير المصير بوصفات قانونية وآليات سياسية. وقبل بان كي مون تنبه أمناء سابقون للأمم المتحدة الى أن هذا النزاع يبدو أقرب الى الاحتواء، غير أن ملامسة تشعباته تحوله الى سيرك من زجاج تقود كل مخارجه الى نقطة البداية، ومع أن بان نجح في تحقيق اختراق المفاوضات المباشرة باعتباره أنسب طريق لعرض وجهات النظر المتباينة والبحث في التقريب بينها، فقد بدا أن الاشكالات لا تطال مبدأ المفاوضات في حد ذاته وانما مرجعياته التي لم يتم استحضار تفاصيلها كاملة في مانهاست. في مفاوضات سابقة رعاها الوسيط جيمس بيكر قبل استقالته عمد الى إغلاق باب غرفة الاجتماع ووضع المفتاح في جيبه وخاطب مسؤولين مغاربة متمنياً عليهم أن ينسوا أطروحة السيادة الكاملة على اقليم الصحراء. ولدى اجتماعه الى قياديين في"البوليساريو"فعل الشيء ذاته وتمنى عليهم أن ينسوا كذلك فكرة الاستقلال الكامل للاقليم عن المغرب. وكانت تلك بداية التحول في مسار البحث عن حل ثالث سيصبح اسمه الحكم الذاتي. إلا أن وزير الخارجية الأميركي السابق ذهب وفي جيبه مفتاحان، وربما جاز القول ان معاودة دمجهما في مفتاح واحد تحتاج الى الكلمة السحرية كما في الأساطير، وسيكون على الديبلوماسي بيتر فان فالسوم في زيارته المرتقبة الى المنطقة أن يستحضر الوصايا التي تساعد على فك الغاز الصراع. جولات مانهاست الثلاث كانت بمثابة عملية تدريب على منهجية المفاوضات، وليس هناك من كان يعتقد صراحة أن نزاعاً دام أكثر من ثلاثة عقود يمكن حله في ثلاث جولات، لكن الإمساك بخيوط الحل لم يكن بعيداً، فالمغاربة يملكون رصيداً في تجارب المفاوضات، أقله أن حوارهم مع الاسبان دام سنوات طويلة قبل الوصول الى اتفاق مدريد، وليس في إمكان التطورات التي ارتداها النزاع بعد ذلك أن تلغي مرجعية المفاوضات، وان كانت قادت الى حل ناقص، والحال انهم خبروا مطالب"البوليساريو"في مفاوضات سرية واخرى معلنة ولا يبدو أنهم اذعنوا لقبول الجبهة طرفاً مباشراً في مفاوضات ترعاها الأممالمتحدة من دون ادراك استحالة ابرام تسوية لا تضع الطابع الاقليمي للنزاع في الاعتبار. بيد ان"البوليساريو"تدخل غمار مفاوضات كهذه للمرة الأولى، فالمحادثات السرية والعلنية مع المغرب كانت تتم في مناخ مغاير لم يكن فيه الحل السياسي قد تبلور وفق الصيغة التي يطرح بها الآن أمام الأممالمتحدة. لكن نقطة الارتكاز أن الحوار الذي جمع قياديي"البوليساريو"مع الملك الراحل الحسن الثاني عام 1989 ساعد في ترتيب الأجواء للإعلان عن تأسيس الاتحاد المغاربي في الفترة ذاتها، كونه أفاد من أجواء الوفاق التي كانت تطبع العلاقات المغربية - الجزائرية وقتذاك. يكمن الفرق بين مفاوضات مراكش وجولات مانهاست أن الأخيرة عقدت برعاية الأممالمتحدة، لكن في غياب وفاق مغربي - جزائري، بل ان العلاقات بين البلدين الجارين تعرف أزمة يمتد نفوذها سلباً على أوضاع الاتحاد المغاربي المتعثر وكذلك على المجال الثنائي في غضون سريان مفعول اغلاق الحدود بين البلدين. ان التسليم بهذا الواقع يعززه أنه يشار الى وضع الجزائر وموريتانيا بالطرفين المراقبين فقط، فالبُعد السياسي في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمرجعية المفاوضات يتمثل في طلب مساعدة دول المنطقة المشروطة حتماً بإقرار السلم والأمن والاستقرار في منطقة الشمال الافريقي. وسواء أكانت الجزائر وموريتانيا مرتاحتين الى صيغة المفاوضات المباشرة بين المغرب و"البوليساريو"أم مضطرتين لقبول الوصفة الجديدة، فإن مساعي إنهاء نزاع الصحراء لا بد أن تترتب عليها معطيات والتزامات، وبالتالي فإن المشاركة غير المباشرة في المفاوضات ستؤول الى حضور مؤثر في رسم معالم الصورة المستقبلية للوضع. ولعل هذا الهاجس هو ما دفع أطرافاً أوروبية وأميركية الى مزيد من الاهتمام بتسريع مبادرات الحل كما يبدو جلياً من خلال انشغالات باريسومدريد وواشنطن وإن اختلفت الحوافز والرؤى بين حساباتها. ويدفع هذا الاهتمام الى التساؤل عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به دول منطقة الشمال الافريقي في التسوية أو بنبرة أكثر تشاؤماً في الإبقاء على الوضع الراهن الذي لا يفيد أحداً. قبل أن تعرف قضية الصحراء المسار الذي آلت اليه كان هناك انشغال عربي ومغاربي، فقد بلورت القمة العربية لعام 1974 التي استضافتها الرباط موقفاً يدعم بلدان الشمال الافريقي في المفاوضات مع اسبانيا المستعمر السابق للصحراء، وقبل ذلك استضافت نواذيبو قمة ثلاثية جمعت القادة الراحلين الحسن الثاني والرئيس الجزائري هواري بومدين والرئيس الموريتاني المختار ولد دادة ومهدت لفتح ملف المفاوضات على مصراعيه مع اسبانيا. وحدث أن خلافاً نشأ وقت ذاك بين المغرب والجزائر كان من نتائجه أن قضية الصحراء انتهت في جانبها المتعلق بأسبانيا غير أنها ظلت مفتوحة في المناطق الاخرى.