إذا لم يكن الحل السياسي لنزاع الصحراء قائماً على التفاوض، فأي دلالات لمفهوم التسوية السلمية التي تنطلق من فرضية لا غالب ولا مغلوب. ما يلفت في هكذا قضية أن الحرب انتهت منذ أزيد من 15 سنة، لكن من دون أن يخفت النزاع ويتوارى الى غير رجعة. غير أن ما يدفع الى الاعتقاد بان النزاع لم يعد مطلوباً بالحدة التي كان عليها ان استحقاقات على قدر من الأهمية باتت تفرض نفسها. في مقدمها ان الأمين العام الجديد للأمم المتحدة بأن كي - مون عرض في أول تصريح له عن الموضوع الى صيغة الحل السياسي ورهن احراز التقدم بالمفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية. وارتدى التصريح أهمية خاصة كونه صدر على هامش القمة الاخيرة للاتحاد الافريقي الذي يضم"الجمهورية الصحراوية"بين أعضائه. ما يعني أنه وضع مسافة بينه وبين المسار الذي آل إليه تعاطي الأفارقة، وفتح منفذاً جديداً يرهن التسوية السلمية بالشرعية الدولية. الاستثناء المهم في تعاطي الأطراف المعنية أن المغرب يسرع الخطى على طريق تحضير مسودة الحكم الذاتي الذي يستند الى المعايير الدولية لهكذا تنظيم. وبالتالي اما أنه متيقن أن لا بديل من هذا التصور الذي يعتمد المقاربة الديموقراطية في حل اشكالية سياسية، واما أنه يريد الايحاء أنه قدم كل ما يستطيع من دون جدوى. أبعد من ذلك أن مفهوم الحكم الذاتي كما يطرحه المغرب لا يطاول تفويت صلاحيات إدارة الشأن المحلي لسكان الاقليم الحاليين، وانما يتوخى من خلال إقامة حكومة وبرلمان محليين منتخبين إشراك المنتسبين الى جبهة"بوليساريو"في العملية السياسية. يضاف الى ذلك التأكيد للمرة الأولى أن تسوية نزاع الصحراء تفسح في المجال واسعاً أمام معاودة البناء المغاربي وتحقيق الانفراج في العلاقات بين الشركاء المغاربيين. اضافة الى التصدي الى ظاهرة الانفلات الأمني في منطقة الساحل جنوب الصحراء التي باتت مهددة بمخاطر الارهاب. الرسالة تبدو أكثر ايحاء، خصوصاً على صعيد البحث في مخرج لمعاودة بناء علاقات الثقة المفقودة بين المغرب والجزائر. بعدما بات المغاربة يرهنون أي تطور في العلاقات مع الجار الجزائري بالموقف من صيغة الحكم الذاتي. خصوصاً أن المواجهات الديبلوماسية بين البلدين في الأممالمتحدة بدأت تعكس المزيد من خلافات وجهات النظر، ولا يمكن توقع أي مبادرة لتحريك مساعي البناء المغاربي المتعثر بعيداً عن تحقيق قدر من الوفاق المغربي - الجزائري. بين أن تكون لمفهوم الحكم الذاتي آثار بعيدة على صعيد البدء في حل نزاع الصحراء ومعاودة ترتيب العلاقات الاقليمية في منطقة الشمال الافريقي وبين أن يتحول الى فرصة ضائعة هناك ما يبدو مكسباً للمغرب وجبهة"بوليساريو"على حد سواء. غير أن النظرة الى هذه المكاسب لا يجب أن تتوقف عند حرفية من يربح ومن يخسر. فالأهم نزع فتيل الانفجار من منطقة مزروعة بالألغام، وما يعبر عنه بالوفاق الذي يتعين تحقيقه ليصبح الحل السياسي قابلاً للتنفيذ يقضي أن تصبح المفاوضات منهجية في إدارة الصراع. وقتها سيطمئن الأمين العام للأمم المتحدة انه أمام محاورين يتسمون بالشجاعة والجرأة، وفي غضون ذلك ستطمئن المنطقة برمتها الى كون نزاع الصحراء الذي وجد ليبقى في طريقه لأن يوضع خلف طموحات بلدان الشمال الافريقي في الاستقرار والتنمية والديموقراطية.