فتح تقرير فينوغراد ثغرة مهمة في الحلقة المفرغة لسلسلة الهزائم العربية أمام إسرائيل وفي الصراع الطويل القائم بينها وبين العرب. وسيمكن للأجيال المقبلة ان تستخلص الدرس من حرب تموز يوليو حيث"نجح تنظيم من بضعة آلاف من الرجال في الصمود في وجه الجيش الأقوى في الشرق الأوسط والذي يتمتع بوسائل متطورة..."، كما جاء في التقرير نفسه. وإذا كان تقرير فينوغراد وُضع أصلاً بمنظور استخلاص الدروس من جانب الدولة العبرية وقادتها حيال محطة من محطات الصراع مع العرب، فإنها ليست المرة الأولى التي يفعل قادة الحركة الصهيونية ذلك، إزاء إخفاقات أو ثغرات يمرون فيها في الحروب مع العرب. فبعد حرب تشرين اكتوبر عام 1973، والتي نجح الجيشان المصري والسوري خلالها في إحداث اختراق للدفاعات الإسرائيلية، كثرت الكتابات والدراسات عن"التقصير"في تعامل تل أبيب مع هذه الحرب التي خيضت بمبادرة عربية. لكن إخراج لجنة فينوغراد الإخفاق الإسرائيلي الذي كان واضحاً في النتائج التي انتهت إليها حرب تموز والتي أثبت خلالها"حزب الله"القدرة على مقاومة اعتى جيش في المنطقة الى العلن، يدفع الى استخلاص الدرس بالنسبة الى الضفة الأخرى، أي الضفة العربية. وهو درس يقول بوضوح انه إذا وجدت الإرادة والقرار السياسي، فإن الجيش الإسرائيلي ليس ذلك الجيش الذي لا يقهر. بل ان مشكلة العرب ان لا استراتيجية لديهم سواء لمحاربة عدوهم من موقع القوة، أم حتى لمفاوضته من موقع القوة في زمن التفاوض. وأحد عوامل القوة التفاوضية يكمن في القدرات العسكرية. ومع استخلاص الدرس في الضفة العربية، يفترض ألا يغيب عن البال الاستنتاج الرئيسي من تقرير فينوغراد، فالحديث عن الإخفاقات الإسرائيلية لا يعني إلا ان إسرائيل تستعد لحرب أخرى، تكون فيها أقوى بعد معالجة الثغرات. وهذا يفسر ما سمته وسائل الإعلام الدولية امس"تسامح"لجنة فينوغراد مع المستوى السياسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت على الأرجح. وفي هذا السياق، تقود المقارنة بين ما يجري على ساحة إسرائيل وما يجري على ساحة لبنان الى انطباع حزين. في إسرائيل يتم تحييد رئيس الوزراء عن الأزمة السياسية التي نجمت عن إخفاقات الحرب. وفي لبنان يجري تحويل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى هدف المطلوب إسقاطه، من اجل افتعال الأزمة السياسية وتكبيرها وتضخيمها لأسباب تتعلق بالخلاف بينه وبين سورية وليس بسبب أدائه خلال حرب تموز الذي اعترفت المقاومة بأنه كان أداء وطنياً ومقاوماً خلال المفاوضات من اجل وقف النار، كما وصفه شريكه في التفاوض رئيس المجلس النيابي نبيه بري. في إسرائيل، تُبعد التهمة عن أولمرت، وفي بيروت تُلصق التهم بالسنيورة لأسباب لا علاقة لها بالحرب لا من قريب ولا من بعيد. فالحقيقة ان السنيورة شكل اختزالاً"للمستوى السياسي"اللبناني الذي أجمع على إفشال أهداف إسرائيل السياسية من وراء الحرب على لبنان والمقاومة. باختصار، في إسرائيل يستخدم التحقيق في الإخفاقات من اجل حماية المستوى السياسي. وفي لبنان تُستغل النجاحات لإضعاف"المستوى السياسي"الداخلي ولأهداف لا تمت بصلة الى الحرب ومن خاضوها في موقع الدفاع عسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً واجتماعياً وإعلامياً... الخ... وفي وقت يعقد الإسرائيليون التسويات على هشاشة الائتلاف الحاكم لديهم، فإن إضعاف المستوى السياسي في لبنان لا يطاول فقط السنيورة، بل يستهدف رئيس الجمهورية المقبل قائد الجيش العماد ميشال سليمان، لإضعاف موقعه في التسوية، من اجل ان يتنازل عن موقعه كقطب على مسافة متساوية من الجميع، ولتفريغ حياديته من مضمونها من اجل تلبية شروط فريق ضد آخر، ولتجريده من صلاحيات الرئاسة قبل ان يصبح رئيساً، بفرض نمط من الارتهان عليه اعتاده من سبقه الى الرئاسة ليبقى رهينة بقية سنوات عهده ...