ذات الصوت الجميل، المغنية باسمة، التي كانت قبل سنوات قليلة جداً مطروحة منافسة جدية لنجمات الغناء في لبنان، ما الذي أصابها؟... ثم ما الذي دفع خياراتها الغنائية في اتجاهات لا تجد التجاوب الواسع من الجمهور؟... ثم ماذا ينبغي أن تفعل كي تتجاوز واقعاً سلبياً تعانيه في وقت تملك من الامكانات الصوتية والأدائية ما يجعلها في موقع استحقاق حضور مواز لحضور النجوم؟! أسئلة كثيرة تعلم باسمة أن طرحها ليس ترفاً نقدياً أو إعلامياً أو فنياً بقدر ما هو اعادة اكتشاف أو تَلَمُّس طريق أو تنبيه موهبة متميزة تستطيع أن تلعب في مساحة أكبر، وعبر مضمون غنائي أعمق، وصولاً الى تكوين الاسم الغنائي الذي لا يعيش على فُتات الانتاج بل في صُلبه! فهل يعلم الجمهور الذي يستمع الى باسمة معجباً بصوتها، وبأسلوبها الأدائي المتقن والمتمرّس، انها بدأت احتراف الغناء بأداء الأغاني الأجنبية؟ وهل يعلم الجمهور أن من الأغنية الأولى التي أطلقتها باسمة باللهجة اللبنانية المحكية، لفت صوتها الانتباه والاسماع، وبعضهم لم يصدق للوهلة الأولى أن صوتاً"أجنبياً"يمكن أن يكون شرقياً الى ذلك الحد الجدّي والناضج والمكتمل تعبيراًَ؟ لكن... هذا ما حدث بالفعل، وقد شكلت أغنية"كاسك حبيبي"مع مروان خوري تأليفاً وتلحيناً ومشاركة في الغناء أيضاً قبل ثماني سنوات، منصة انطلاق قوية لها، وقد توقّع كثر أن تكون تلك الأغنية فاتحة تعاون أكبر وأشمل بين باسمة وخوري، وهذا ما بُدئ به، لكن ليس بعد وقت طويل ذََهَبَ كل من الاثنين في اتجاه، أقصد على صعيد التعاون الفني، فاحترف خوري الغناء مركّزاً عليه أكثر من التلحين، وانصرفت باسمة الى ملحنين آخرين. ثم عاشت ظروفاً انتاجية متعبة قبل أن تنضم الى عالم"روتانا"وتُصدر من خلاله بعض الألبومات كان آخرها قبل أشهر من الآن، وتقدم كليباً بعنوان"حلم الطيور"وقد اختارت باسمة هذه الأغنية بالتحديد من الألبوم، لشعورها بأن في أدائها مستوى من الاحتراف والطواعية، ما سيضعها في خانة الأغاني الرائجة وبعد ذلك ما سيضع الألبوم نفسه في خانة الرواج الشعبي. صحيح أن"حلم الطيور"أغنية جميلة، وتكشف طاقة تعبيرية غنية في صوت باسمة، إلا أن الصحيح أيضاً هو أن كلام الأغنية لا يلامس في الحالة العاطفية جمهوراً كبيراً، ولحن الأغنية يرفرق في مساحة من"الألاعيب"الأدائية التي تفيد في اظهار براعة معينة، لكنها لا تفيد في الوصول الى الإحساس الدافئ الذي يلازم أي أغنية رائجة و"مطلوبة"ومحببة الى الاسماع... من هنا، حلّق صوت باسمة في"حلم الطيور"، لكن فوق رؤوس الجمهور، وليس داخل الرؤوس... وفي الاعتقاد المبني على شواهد أن هذه المسألة هي عقدة العُقد في تجربة باسمة، ذات الصوت الجميل جداً... لا تحتاج باسمة أغنية تستعرض فيها"عضلات الصوت، فصوتها ليس ضعيفاً أو متردداً أو واهناً الى درجة نشدان استحسان الجمهور في ما ليس"طبيعياً"أحياناً، تحتاج باسمة أغنية"طبيعية"نصاً وتلحيناً، وبالضبط تحتاج أغنية مرسومة على كلام ولحن عاطفيين يحملان فكرة جديدة. الفكرة الجديدة هي ما تنقص أغاني باسمة التي لا ينقص صوتَها شيء لا لجهة القوة ولا لجهة العذوبة والرقة والذوبان الشعوري... فهل تحظى باسمة بالفكرة الغنائية الجديدة الموعودة قبل أن يتحرك في"روتانا"كالعادة من يضعها في لائحة الاستضعاف؟ نشر في العدد: 16682 ت.م: 06-12-2008 ص: 35 ط: الرياض