بدأت أزمة المال العالمية تزحف إلى دولة الإمارات منذ نحو شهرين، فتراجعت قيمة العقارات، وانزلقت أسواق الأسهم إلى مستويات لم يتوقعها أحد، وتعرضت مؤسسات إلى أزمة في السيولة، ما أدى إلى إعلان دمج بعضها، وتسريح أخرى عدداً كبيراً من موظفيها لخفض النفقات، ومواجهة مرحلة تعتبر الأسوأ على الاقتصاد العالمي. وعلى رغم ما تعرضت له الإمارات للآن، فان خبراء اقتصاد تحدثت إليهم"الحياة"، أكدوا أن"الأسوأ ستشهده الدولة خلال النصف الأول من 2009، حين يلمس صناع القرار والمستثمرون ورجال الأعمال، مدى الضرر الذي أصاب قطاعات المال عموماً، ومدى تأثيره على نشاط"الاقتصاد الحقيقي"وانعكاسه على"الاقتصاد الاجتماعي"الذي يعتبر مؤشراً لحركة الأسواق". وقال رئيس لجنة الايجارات في دبي احمد البنا، إن"تداعيات أزمة المال العالمية، لم تصل إلى نهايتها في الإمارات، ولم يكتشف المسؤولون بعد مدى الضرر الذي أصاب قطاع التجارة وتجارة الخدمات والسياحة وتأثيرها على الاقتصاد الاجتماعي، لا سيما في ضوء توقعات بأن تلجأ الشركات إلى الاستغناء عن مزيد من الموظفين، الذين يمثلون القوة الشرائية وحركة الاستهلاك. اما الخبير الاقتصادي سعيد العابدي، فتوقع ان تكون 2009"سنة صعبة"على جميع القطاعات، خصوصاً في نصفها الأول، الذي يشهد استلام الدولة عوائد النفط للشهور الثلاثة الماضية، المقدرة بأقل من ثلثي القيمة التي كانت تحصل عليها سابقاً. واجمعت توقعات مؤسسات بحوث عالمية، على ان معدل نمو الاقتصاد الاماراتي سينزل خلال 2009 من قمته العام الماضي، بسبب تداعيات الأزمة العالمية التي امتدت لتشمل جميع القطاعات الاقتصادية، لكنه لن يدخل مستويات سالبة، مدعوماً بسيولة راكمتها الحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية. ورجحت مؤسسة"ميريل لينش"ان يتراجع نمو الاقتصاد الاماراتي خلال العام المقبل من 7,5 في المئة الى 3.5 في المئة، متأثراً بتداعيات أزمة المال العالمية والانخفاض الكبير في أسعار النفط، لا سيما في ضوء توقعات المؤسسة العالمية بأن يصل سعر برميل النفط خلال الشهور المقبلة إلى 25 دولاراً، ما يعمق من تأثر الإمارات الغنية بالبترول، بالأزمة. وتوقع خبراء اقتصاد أن يؤدي شح التمويل الخارجي إلى مزيدٍ من التراجع في حركة الائتمان خلال 2009، إضافة إلى تفاقم تراجع القطاعين العقاري والمالي، ما ينعكس سلباً على بقية القطاعات"التي لم تشعر بعد بآثار الأزمة". ورجحت مؤسسة"أيه تي كيرني"العالمية ان تلجأ الحكومات المحلية في الامارات خلال العام المقبل، الى دمج مزيد من المؤسسات التابعة لها خصوصاً في القطاعين العقاري والمالي، للتخفيف من حدة تداعيات الأزمة على هذه القطاعات. وعلى رغم هذه التوقعات، أكد مسؤولون في الدولة وخبراء ومعهم مؤسسات بحوث عالمية، قدرة الإمارات على مقاومة آثار الأزمة، متسلحة بفائض السيولة التي راكمتها خلال السنوات الماضية، التي بلغت خلالها أسعار النفط مستويات تاريخية اخترقت حاجز 140 دولاراً للبرميل، قبل أن تنزلق إلى مستويات دون 40 دولاراً. وأكدت مؤسسة"ميريل لينش"ان اقتصاد الامارات قادر على مقاومة الأزمة في ظل أسعار لبرميل نفط تصل إلى 40 دولاراً، لكنها لم تخف قلقها من انزلاق أسعار البرميل إلى 25 دولاراً، في حال طال أمد الكساد الاقتصادي العالمي. واتفقت توقعات الخبراء ومؤسسات البحوث على أن الإمارات ستدخل العام المقبل مرحلة"انكماش اقتصادي"تمتد من 6 الى 18 شهراً. لكنهم أشاروا إلى أن الدولة"لن تشهد ركوداً أو كساداً اقتصادياً كالذي تعاني منه الولاياتالمتحدة وأوروبا ودول آسيوية"، نظراً إلى الادخار المالي الكبير الذي حققته خلال السنوات الماضية، ما يساعد على مواصلة الدولة تمويلها مشاريع البنية التحتية. واشار العابدي إلى أن تنوع اقتصادات الإمارات سيحميها من الوصول الى ركود، على اعتبار ان اقتصاد امارة ابوظبي يرتكز على النفط، واقتصاد امارة دبي يعتمد على الخدمات والمال وسياحة المؤتمرات. وتوقع الخبراء أن تتأثر إمارة دبي اكثر من الامارات الاخرى، بسبب انفتاحها الكبير على الاقتصاد العالمي، وديونها التي تجاوزت 80 بليون دولار، معظمها إلى مؤسسات تابعة للحكومة. لكنها أكدت قدرة الإمارة على سداد ديونها من الاصول التي تملكها في جميع انحاء العالم. ورجحت مؤسسة"موديز"العالمية احتمال توفير امارة ابوظبي الغنية بالنفط دعماً مالياً في شكل مباشر أو غير مباشر الى اي من الامارات الاخرى في الدولة والمصارف التي قد تتعرض الى صعوبات في حال استفحال آثار الازمة على الاقتصاد الاماراتي. وقدرت"موديز"أن تكون أصول إمارة ابوظبي التي تملك اكبر صندوق سيادي في العالم، وصلت هذه السنة الى اكثر من 280 بليون دولار، بعد الانخفاض الكبير في الاسواق العالمية، ما يؤهلها إلى تحمل عجز مالي لسنوات، ومساعدة الإمارات الأخرى على تجاوز الأزمة. أما مؤسسة"ميريل لينش"، فتوقعت أن يؤدي الانكماش الاقتصادي في الدولة، إلى تراجع معدلات التضخم التي ارتفعت إلى مستويات قياسية، خلال السنوات القليلة الماضية، تجاوزت 12 في المئة سنوياً، بسبب خفض أسعار الفائدة، وارتفاع الطلب على جميع القطاعات. ورجحت أن تنخفض معدلات التضخم في الإمارات خلال 2009 إلى 8 في المئة، والى 5.5 في المئة في 2010. وأكد احمد البنا، ان الازمة جاءت في الوقت المناسب، لتعيد اقتصاد الدولة الى الواقعية، بعد قفزات كبيرة باتت مقلقة. واجمع من استطلعت"الحياة"آراءهم على قدرة الامارات على"ادارة الازمة"بنجاح، بعد ان يتضح مدى انعكاسها على القطاع المالي والعقاري والاقتصاد الحقيقي المنتج، على اعتبار انها نجحت سابقاً في تخطي ازمة ناقلات النفط في مياه الخليج خلال ثمانينات القرن الماضي، والانكماش الاقتصادي الذي تعرضت له منتصف السبعينات، بسبب تراجع اسعار النفط". وفي حين شكلت امارة دبي لجنة عليا على المستوى المحلي، لتقويم آثار الازمة عليها ودرس سبل تجاوزها، تدخلت الحكومة الاتحادية لتوفير 170 بليون درهم 47 بليون دولار ونصفها في تصرف المصارف التي قد تتعرض الى مصاعب من تداعيات الأزمة. نشر في العدد: 16707 ت.م: 31-12-2008 ص: 25 ط: الرياض